Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
ناشر
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
محل انتشار
https
ژانرها
قال العَيني: عند أكثر العلماء هم الحفظة، فسؤاله لهم إنَّما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم لأعمالهم وكتبهم إياها عليهم. وقال عياض: وقيل يحتمل أن يكونوا غير الحفظة، فسؤاله لهم إنَّما هو على جهة التوبيخ لمن قال: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠]، وإنَّه أظهر لهم ما سبق في علمه بقوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠].
قال القُرْطُبي: وهذه حكمة اجتماعهم في هاتين الصلاتين. أو يكون سؤاله لهم استدعاء لشهادتهم له، ولذلك قالوا: (أتيناهُم وهُم يصَلُّون، وتركناهُم وهُم يصَلُّون) وهذا من خفي لطفه ﷿ وجميل ستره إذ لم يطلعهم إلَّا على حالة عبادتهم، ولم يطلعهم على حالة شهواتهم وما يشبهها. انتهى.
قال العَيني: هذا الذي قاله يعطي أنَّهم غير الحفظة؛ لأنَّ الحفظة يطَّلعون على أحوالهم كلِّها، اللَّهمَّ إلَّا أن تكون الحفظة غير الكاتبين فيتجه ما قاله، والظَّاهر أنَّهم غيرهما؛ لأنَّه قد جاء في بعض الأحاديث: «إذا ماتَ العبدُ جلسَ كاتباهُ عندَ قبرِهِ يستغفرانِ لهُ ويصلِّيانِ عليهِ إلى يومِ القيامةِ» يوضحه ما روى ابن المنذر بسند له عن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله عن أبيه أنَّه كان يقول: يتداول الحارسان من ملائكة الله تعالى حارس اللَّيل وحارس النَّهار عند طلوع الفجر.
وعن الضَّحَّاك في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قال: تشهده ملائكة اللَّيل وملائكة النَّهار، يشهدون أعمال بني آدم. وفي «تفسير ابن أبي حاتم»: تشهده الملائكة والجنُّ. انتهى.
قال شيخنا عقبه: كلام القاضي عياض: وفيه شيء؛ لأنَّه رجَّح أنَّهم الحفظة، ولا شكَّ أنَّ الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات، فالأولى أن يقال: الحكمة في كونه تعالى لا يسألهم إلَّا عن الحالة الَّتي تركوهم عليها ما ذُكر، ويحتمل أن يقال: إنَّ الله تعالى يستر عنهم ما يعملونه في هاتين الوقتين، لكنَّه بناء على أنَّهم غير الحفظة. وفيه إشارة إلى الحديث الآخر: أنَّ «الصلاةَ إلى الصَّلاة كفارةٌ لما بينَهما» فمن ثمَّ وَقَعَ السؤال من كلِّ طائفة عن آخر شيء فارقوهم عليه. انتهى.
وتردَّد ابن بَزِيزَة: هل هم الحفظة أو غيرهم؟ وقال القُرْطُبي: الأظهر عندي أنَّهم غيرهم، ويقوِّيه: إنَّه لم ينقل أنَّ الحفظة يفارقون العبد، ولأنَّ حفظة اللَّيل غير حفظة النَّهار، وبأنَّهم لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله: (كيف تركتم عبادي).
قوله: (وَيَجْتَمِعُوْنَ) قال الزَّين بن المنيِّر: التعاقب مغاير للاجتماع، لكن ذلك منزل على حالتين. قال شيخنا: وهو ظاهر، وقال ابن عبد البرِّ: الأظهر أنَّهم يشهَّدون معهم الصَّلاة في الجماعة، واللفظ محتمل للجماعة وغيرها، كما يحتمل أنَّ التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم، وأن يقع التعاقب بينهم في النوع لا في الجنس.
قلت: وقد تقدَّم آنفًا أنَّ اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين أن جعل اجتماعهم عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عبادتهم واجتماعهم على طاعة ربِّهم، فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير.
وقال ابن حبَّان في «صحيحه»: فيه بيان أنَّ ملائكة اللَّيل تنزل والنَّاس في صلاة العصر، وحينئذ تصعد ملائكة النَّهار، وهذا ضدُّ قول من زَعَمَ أنَّ ملائكة اللَّيل تنزل بعد غروب الشَّمس.
قوله: (ثُمَّ يَعَرُجُ الَّذِيْنَ بَاتُوا فِيْكُمْ) من: عرج يعرُج عروجًا، من باب قصر يقصُر، والعروج: الصعود، ويقال: عرج يعرج عروجًا إذا عجز من شيء أصابه، وعرج يعرج عرجًا إذا صار أعرج أو كان خِلقةً فيه، وعرَّج بالتشديد تعريجًا إذا قام.
وقد تقدَّم الكلام على قوله: (الَّذِيْنَ بَاتُوا فِيْكُمْ) قال شيخنا: اختلف في الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا أي أقاموا في النَّهار فقيل هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر كقوله تعالى ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى: ٩] أي وإن لم تنفع وقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أي والبرد وإلى هذا أشار ابن التِّين وغيره قيل الحكمة في الاقتصار على هذا الشقِّ دون الآخر أنَّ ملائكة اللَّيل مظنة المعصية فلما لم يقع منه عصيان مع إمكان دواعي الفعل مع إمكان الإخفاء ونحوه واشتغلوا بالطاعة كان النَّهار أولى بذلك فكان السؤال عن اللَّيل أبلغ من السؤال عن النَّهار لكون النَّهار محلِّ الاشتهار وقيل: الحكمة في ذلك أنَّ ملائكة اللَّيل إذا صلَّوا الفجر عرجوا في الحال وملائكة النَّهار إذا صلَّوا العصر لبثوا إلى آخر النَّهار لضبط بقيَّة عمل النَّهار. قال شيخنا: وهذا ضعيف؛ لأنَّه يقتضي أنَّ ملائكة النَّهار لا يسألون عن وقت العصر، وهو خلاف ظاهر الحديث كما سيأتي. قال العَيني: هذا الذي ذكره ضعيف؛ لأنَّ لبث ملائكة النَّهار لضبط بقيَّة عمل النَّهار لا يستلزم عدم السؤال. انتهى. ثمَّ هو مبني على أنَّهم الحفظة، وفيه نظر؛ لما سنبيِّنه، وقيل: بناء أيضًا على أنَّهم الحفظة أنَّهم ملائكة النَّهار فقط، وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم، وملائكة اللَّيل هم الذين يعرجون ويتعاقبون، ويؤيِّده ما رواه أبو نُعَيم في «كتاب الصلاة» له من طريق الأسود بن يزيد النَّخَعي قال: يلتقي الحارسان - أي ملائكة اللَّيل وملائكة النَّهار- عند صلاة الصُّبح، فيسلِّم بعضهم على بعض، فتصعد ملائكة اللَّيل وتلبث ملائكة النَّهار.
وقيل: يحتمل أن يكون العروج إنَّما يقع عند صلاة الفجر خاصَّة، وأمَّا النُّزول فيقع في الصَّلاتين معًا وفيه التَّعاقب، وصورته: أن تنزل طائفة عند العصر وتبيت، ثمَّ تنزل طائفة ثانية عند الفجر، فتجتمع الطائفتان في صلاة الفجر، ثمَّ يعرج الذين باتوا فقط، ويستمرُّ الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر، فتنزل الطائفة الأخرى فيحصل اجتماعهم عند العصر أيضًا، ولا يصعد منهم أحد، بل تبيت الطائفتان أيضًا، ثمَّ تعرج إحدى الطائفتين ويستمرُّ ذلك، فتصحُّ صورة التَّعاقب مع اختصاص النُّزول بالعصر والعروج بالفجر، فلهذا خصَّ السؤال بالذين باتوا. والله أعلم.
وقيل: إنَّ قوله في هذا الحديث: (وَيَجْتَمِعُوْنَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ) وهمٌ؛ لأنَّه ثبت من طرق كثيرة: أنَّ الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر كما في «الصحيحين» من طريق سعيد بن المُسَيَّب عن أبي هريرة في أثناء حديث فإن فيه: «ويجتمع ملائكة اللَّيل وملائكة النَّهار في صلاة الفجر»، قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم: ﴿وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨]، وفي التِّرْمِذي والنَّسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ قُرْآنَ
1 / 72