لا ينقض كلية تلك القواعد ولا يقدح في عمومها للأسباب الآتية:
أولا: لما كان مقصد الشارع ضبط الخلق إلى القواعد العامة - وكانت القواعد التي قد جرت بها سنة الله أكثرية لا عامة، وكانت الشريعة موضوعة على مقتضى ذلك الوضع - كان من الأمر الملتفت إليه إجراء القواعد على العموم العادي لا على العموم الكلي العام الذي لا يتخلف عنه جزئي ما.
ويقول الشاطبي (1): في موافقاته تأييدا لهذا: إن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كليا، وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي.
ثانيا: إن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت، وهذا شأن الكليات الاستقرائية - وإنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزئيات قادحا في الكليات العقلية.
فالكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات (2).
كما يقال كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ. وهذه قاعدة كلية استقرائية خرج عنها: التمساح. حيث يقال: إنه يحرك فكه الأعلى حين المضغ فخروج االتمساح عن القاعدة لا يخرجها عن كونها كلية. فكأنه قيل: كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ إلا التمساح.
فالعموم العادي المبني على الاستقراء لا يوجب عدم التخلف بل
__________
(1) الشاطبي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفي سنة 790 ه الأعلام ج 1 ص 75 مختصرا.
(2) الموافقات للشاطبي ج 2 ص 52 - 53 بتصرف.
صفحه ۲۳