موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
ژانرها
وقد ظهرت ثانية في هذا العصر كذلك الأواني التي على شكل حيوانات، ولكن في ثوب جديد ويمكن تمييزها تماما، وهذه الأواني في الواقع كانت بمثابة قطع للزينة نحتت في الحجر الجيري، والأردواز، وحجر البرشية المختلف الألوان، وكذلك أعيد استعمال الدمى من الطين بشكل جديد، ومع أنها كانت نادرة الوجود بالنسبة لما كانت عليه في عهد ما قبل الأسرات القديم، إلا أنها من ناحية أخرى كانت متقنة الصنع، هذا إلى أنها كانت تصنع من مواد أخرى ثمينة غير الطين، وأهم الأشكال التي كانت تصنع هي القردة، والضفادع مع صغارها.
أما صناعة الظران التي كانت آخذة في الاختفاء تدريجا، فقد كان لها رغم ذلك نصيب من هذا التجديد الذي قام في هذا العصر، فقد صنعت منه أشكال حيوانية وفاقا للزي الشائع، ونخص بالذكر منها: الغزلان والطيور والتماسيح، وكانت تمثل على شكل دمى مستوية الجسم، ولا يعلم كنه استعمالها إلى الآن، ولكن يدل صنعها على عناية فائقة.
ولا بد من أن نشير هنا إلى ازدهار صناعة الصباغة وتقدمها، كما يدل على ذلك العدد القليل من القطع التي أخطأها النهب والسلب مما أودى بكل الكنوز التي كانت مودعة مقابر هذا العصر.
ومن أهم القطع التي بقيت لنا دالة على فن هذه الفترة مقبضان لسكينين من الظران: واحدة منهما في متحف القاهرة وهي ورقة رقيقة من الذهب منقوش عليها منظر صيد يذكرنا بالمنظر الذي على سكينة جبل العرق، أما الثانية فقد نقش عليها سفينة ومجموعة شخصيات على نمط ما كان يرسم على أواني الفخار من عصر ما قبل الأسرات المتوسط وهاتان السكينتان يرجع عهدهما إلى العهد الطيني الفرعوني أي عصر التاريخ الحقيقي.
المدينة في عهد بداية استعمال المعادن
تدل الكشوف التي تمت إلى يومنا هذا على أن المدنية في مصر قد بدأت في الوجه البحري في خلال العهد الحجري الحديث، وأنها كانت تفوق المدنية التي ظهرت في الوجه القبلي ثم استمر الحال كذلك بشكل جلي واضح في عصر بداية استعمال المعادن، وأن الحضارة في الوجه البحري كانت تدرج في مراقي التقدم بخطى واسعة، على حين أن المدنية في الوجه القبلي كانت خطاها وئيدة وفي حالة متأخرة.
ولأجل أن نصل إلى سر تفوق الوجه البحري على الصعيد يجب أن نبحث طبيعة أرض كل منهما وموقعه الجغرافي.
الدلتا:
تتألف أرض الدلتا من سهل مترامي الأطراف لا يتخلله جبال، وهو منفصل عن الصحراء تماما، ولذلك كانت الفرصة سانحة لسكانه الأول ليكونوا أهل حضر، ويمكنهم أن ينموا ويتقدموا وينعموا بحياة العمل في عقر دارهم، دون أن ينتجعوا مكانا وآخر طلبا للرزق، وقد ساعدهم على ذلك أن أرض الدلتا، التي تمتاز بخصب تربتها وطيب جوها، هذا إلى أنها تقع على مفترق طرق أفريقيا وآسيا، مما سهل لها الاتصال بالممالك القريبة منها، فتجلب إليها خيراتها الزراعية، وتحف صناعاتها وفنونها، وبذلك تضيف إلى مدنيتها الأصلية مدنية جديدة، ولا غرابة إذن في أن نرى أرض الوجه البحري في كل عصور التاريخ أعرق مدنية من الوجه القبلي وأكثر تقدما.
أما الوجه القبلي فهو قطر طويل محصور بين سلسلتين من الجبال القاحلة، وهذا القطر متصل بالصحراء من كل مكان، وفي هذا العهد لم تكن أرض الصحراء غنية بالزراعة، إذا قرناها بأرض الوادي الضيق نفسه، وكل ما نعلمه أن أرض الصحراء الحالية كانت شبه مجدبة، فكانت تعيش فيها الحيوانات الوحشية، وحيوانات الصيد مما جعلها ميدان صيد وقنص لأهل الوادي الذين كانوا يعيشون في مدن وقرى، ولما كان سكان هذه المدن قبل تكوين هذا الوادي يعيشون على الصيد فحسب، فقد بقوا يحترفون الصيد لأن ذلك في طبيعتهم منذ نشأتهم، والواقع أن أهل الصعيد كانوا منفصلين عن باقي العالم بهذه الصحاري المترامية الأطراف، فلم يكن أهله يختلطون إلا بالبقية الباقية من بدو الصحراء الجوالين، وهم قوم لا ثقافة ولا مدنية لهم، يضاف إلى ذلك أن المسافة بينهم وبين أهل الدلتا كانت بعيدة، فلم يكن في مقدورهم الاختلاط التام بهم، حتى يستفيدوا من مدنيتهم، وكذلك كانت الأراضي الزراعية التي في متناولهم قليلة المساحة بالنسبة إلى الدلتا، فلم يكونوا زراعا بالمعنى الحقيقي، ولا غرابة إذن، إذا عددناهم جبليين بالنسبة لأهل الدلتا المتحضرين.
صفحه نامشخص