موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

سليم حسن d. 1381 AH
118

موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

ژانرها

وإذا وصلت إلى البلاط وبصحبتك هذا القزم حيا سليما معافى فإن جلالتي سيقوم بعمل أشياء عظيمة لك، تفوق التي عملت لحامل الخاتم الإلهي «باوردد» في عهد الملك إسيسي، وذلك لرغبة قلب جلالتي في رؤية القزم، وقد أعطيت الأوامر لحاكم إقليم البلاد الجديدة، السمير، مدير الكهنة، ليأمر بإعداد المأكولات في كل قصر ببيت المحراث (ضياع ملكية) وفي كل معبد دون استثناء.

ولدينا من عهد هذا الملك نقشان آخران لعظيمين من رجالات الفنتين لهما أهمية عظمى، فإنهما يظهران لنا مقدار النشاط في الكشف الذي كان يقوم به رجال هذا العصر رغم الأخطار التي كانت تحدق بهم، ورغم انقطاع أخبار بعض الكاشفين، وكذلك تبرز لنا ناحية خاصة من نواحي التفكير المصري والعقائد التي كانت تسود هذا العصر. حقا إن المصري كان يعتقد بأن ارتياد مجاهل البلاد النائية، كانت من الأعمال الجليلة، غير أنه كان لا يقبل بأية حال أن يترك جسمه يدفن في هذه الجهات القاصية، إذا حدث أن لاقى حتفه فيها، بل كان يعمل ذووه المستحيل ليحضروه إلى موطنه الأصلي حتى يكفن وتعمل له كل الطقوس والمراسم الجنازية التي كان لا بد منها حتى يكون له نصيب في الخلود بعد الموت؛ وذلك لأنه كان يعتقد أن خلوده في القبر كان يتوقف على هذه التجهيزات والاحتفالات التي كان لا يتسنى عملها في البلاد القاصية، ومن أجل ذلك كانت ترسل بعثة خاصة إذا قضت الحاجة لإحضار جثة الكاشف المتوفى، وقد حدث أن كاشفا قد قام بإحضار جثة أحد هؤلاء الرواد، فكان الثناء الذي ناله على ذلك عظيما، ولم ينل أي ثناء على إحضار فيل يبلغ طول خرطومه نحو تسعة أقدام، وليس عجيبا أن يقال في مصر أن التقوى تحل أولا ثم تحل بعدها الفائدة المادية، وإن كنا أحيانا نشاهد التقوى يضرب بها عرض الحائط إذا تعارضت مع الفائدة الشخصية كما أسلفنا في اغتصاب المقابر.

والنقش الأول لموظف كبير يدعى «بيبي نخت» وقد قام برحلتين إحداهما إلى بلاد النوبة والثانية نحو شمال البحر الأحمر.

وكان «بيبي نخت» يحمل ألقابا عدة؛ منها أنه كان السمير الوحيد، نائب الملك في «نخن»، ورئيس عبادة «نخب»، ومدير كل القوافل، والمحترم من الإله العظيم «بيبي نخت». ويقول: كنت رجلا يقول ما هو حسن، ويكرر ما يحب، ولم أقل قط شيئا يسيء إلى رجل قوى ذما في أي شخص؛ لأني كنت أرغب في أن تعرض الأشياء من جهتي حسنة في حضرة الإله العظيم. لقد أعطيت خبزا للجائع، وكسوت العريان، ولم أقض قط بين أخوين بحيث يحرم ابن من متاع والده، ولقد كنت محبوبا من والدي، ممتدحا من والدتي ومحبوبا من إخوتي ذكورا وإناثا.

ولقد أرسلني جلالة سيدي لأخرب بلاد «إرثت» فعملت ما مدحني عليه سيدي، ولقد ذبحت منهم عددا عظيما، من بينهم أولاد الرؤساء والضباط المتفوقين من المحاربين (؟) وقد أحضرت معي عددا منهم أسرى أحياء إلى البلاط، لأني كنت بطلا على رأس جيش عظيم من الجنود الأقوياء، وقد سر قلب سيدي مني لكل البعوث التي وكل أمرها لي.

وعقب ذلك أرسلني جلالة سيدي لتهدئة الأحوال في هذه الممالك.

وقد قمت بذلك حتى إن سيدي أثنى علي كثيرا أكثر من أي إنسان آخر، ولقد أحضرت معي رئيسي هاتين المملكتين سالمين معافين إلى البلاط، ومعهما ثيران وماعز حية إلى البلاط، وكذلك أحضرت أطفال الرئيسين وضابطي المحاربين الذين كانوا معهما.

أما السبب في القيام برحلة البحر الأحمر فكان للنجدة ويلخص ذلك في أن أحد الضباط الذين أرسلوا في حملة إلى سواحل البحر الأحمر واسمه «عنخت نيتي»، وكان يريد أولا بناء سفينة والسفر بها إلى بلاد «بنت» التي كان يعتقد فيها المصريون أنها شبه مقدسة وأن أصلهم يرجع إليها، وعندما كان «عنخت نيني» هذا منهمكا في بناء سفينة غير ملتفت إلى ما حوله، انقض عليه وعلى رجاله قوة من البدو وقضوا عليه، وقد كان من الضروري معاقبة المعتدين على فعلتهم هذه، ولكن الأهم من ذلك كان إحضار جثة «عنخت نيني» إلى مصر، ولذلك أرسل «بيبي نخت» ثانية للقيام بهذه المهمة، فيقول: وعقب ذلك أرسلني سيدي نحو بلاد «العامو» (الآسيويين) لأحضر له السمير الوحيد ... من البحارة «كاعبر» مدير القافلة «عنخت نيني» الذي كان مشتغلا هناك ببناء سفينة (للسفر بها) إلى بلاد بنت، وقد داهمه الآسيويون الذين ينتمون إلى أهل البدو، فذبحوه هو وفصيلة الجنود الذين كانوا معه. بعد ذلك نجد أن النقش مهشم، وكل ما يمكن فهمه هو أنه قام بإنجاز المهمة التي أرسل من أجلها، فيقول: لقد ذبحت خلقا منهم أنا وجنود الجيش الذين كانوا معي.

أما ثالث هؤلاء الرحالة من عظماء أسوان فهو «سبني»، فقد قام بحملة شبيهة بحملة «بيبي نخت» الأخيرة، غير أنه لسوء حظه كانت الجثة المكلف بإحضارها لمصر هي جثة والده، وكان في هذه المرة قبائل الزنوج هم الذين سطوا عليه وذبحوه، ونقوش «سبني» مهشمة في البداية، غير أنه في إمكاننا أن نفهم منها المعنى المقصود جملة، ولم يكن «سبني» عند قيامه بهذه الحملة جاهلا بأحوال هذه البلاد التي قتل فيها والده، بل يظهر أنه كان مدربا على ارتيادها، وكان لا بد له من ذلك؛ لأن وظيفة قيادة القوافل على ما نعلم كانت وراثية في حكام هذه المنطقة كما شاهدنا ذلك في «حرخوف» ووالده، فكان الوالد يعلم ولده الأعمال التي كانت تتطلبها وظيفته.

قام «مخو» والد «سبني» برحلة، ولكنه مات في خلالها في جهة ما في قلب مجاهل أفريقيا، فقام ابنه بالبحث عن جثة والده، فكتب على مقبرته التي لا تزال إلى الآن بتلال أسوان مع قبر والده يقول:

صفحه نامشخص