موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

سليم حسن d. 1381 AH
102

موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

ژانرها

على أن أكبر درس اجتماعي نخرج به من حياة هذا الرجل هو ما نشاهده في خلال هذا العصر السحيق في القدم من أن الوظائف الحكومية كانت الهدف الذي يرمي إليه كل عظيم مهما بلغت درجته، ولقد بقي هذا الداء العضال يتوارثه المصريون إلى يومنا هذا، نعم إن المصري كان بطبعه يتمسك بالعادات والأخلاق التي نشأ عليها أجداده، وكان الابن يرثها عن الأب، ولكن سنن الرقي كان من شأنها أن تجعله يتخلى عن بعض هذه العادات الموروثة، إلا حب الوظائف الحكومية، فإنه لا ينفك يطلبها، ويرى أن كل عمل سواها حقير ضئيل، وأنه في سبيلها يجب أن يضحي بكل شيء، ولا نزاع في أن «فتاح شبسس» قد ضرب الرقم القياسي في ذلك المضمار دون مراعاة أي مبدأ، ولا أكون مبالغا إن قلت: إنه لا يوجد فرد واحد في مصر عاش في خلال الأربعين قرنا التي تلت وفاة عميد الموظفين، يتردد لحظة في أن يضحي بمبدئه وعقيدته في سبيل أبهة الوظيفة والتنافس في نيل رضاء الحاكمين وعطفهم مهما كلفه ذلك غاليا.

وقد ذكر المؤرخون بعد حكم «شبسكاف» ثلاثة ملوك، غير أن الآثار التي كشفت إلى الآن لم يأت فيها ذكر واحد منهم، وهكذا بقيت نهاية هذه الأسرة غامضة لا يعرف عنها شيء حتى عام 1932، وذلك عندما كشفت بعثة الجامعة المصرية القائمة بأعمال الحفر في منطقة أهرام الجيزة عن الهرم الرابع الذي دفنت فيه الملكة «خنت كاوس». (6) الملكة خنت كاوس

ومما لا شك فيه أن «خنت كاوس» هي بنت الملك «منكاورع»؛ لأن «شبسكاف» مات ولم يترك له خلفا من الذكور، فقامت «خنت كاوس» مطالبة بالعرش بعده، والظاهر أنه كان لها بعض المنافسين على العرش، غير أن الدم الملكي الذي يجري في عروقها جعل لها الأولوية في تولى الملك، ولذلك كتبت على باب هرمها «ملك الوجهين القبلي والبحري والأم الملكية وبنت الإله، وكل شيء تأمر به ينفذ لأجلها»، ويتضح لنا من هذا النص أنها تزوجت بأحد عظماء القوم المنتخب وليا للعهد، ولذا سميت الأم الملكية، غير أنها لم تذكر اسم زوجها لأنه ليس من دم ملكي خالص، وأطلقت على نفسها لقب «ملك الوجهين القبلي والبحري» لا ملكة الوجهين، كما فعلت الملكة «حتشبسوت» في الأسرة الثامنة عشرة، وأن هذا ليدل على سمو مكانة المرأة عند المصريين القدماء في ذلك العهد.

والظاهر أن عصرها كان حافلا بالاضطرابات والمشاحنات على تولي الملك، وقد ذكرت قوائم الملوك بعض أسماء في نهاية الأسرة الرابعة غير أنها لم تذكر على هذه الآثار.

1

ولما تزوجت «خنت كاوس» الوارثة الحقيقية للملك، وأنجبت «وسركاف» خلصت البلاد من تلك الفوضى السياسية، وكانت هي الحلقة الموصلة بين الأسرتين الرابعة والخامسة.

وهناك أقصوصة تكاد تكون خرافة عن أصل الأسرة الخامسة، وربما كان لزواج «خنت كاوس» من أحد الأفراد أو الكهنة وتأسيس الأسرة الخامسة صلة بها، وذلك أنه جاء في ورقة «وستكار» المنسوبة لأحد السحرة أن «حرددف» بن «خوفو» مثل بين يدي والده، وهو يقدم ساحرا اسمه «ديدى»، وقد تنبأ هذا الساحر بولادة أطفال ثلاثة ستلدهم زوجة كاهن هليوبوليس من «رع» إله الشمس، ثم تسميهم الإلهات بأسماء تشبه في لفظها أسماء الملوك الثلاثة الأول للأسرة الخامسة وهم «وسركاف»، و«سحورع» و«كاكاو»، وكذلك تنبأت الإلهات بأن كلا منهم سيحكم البلاد قاطبة.

ولا شك في أن هذه القصة تنطوي على ارتباك تاريخي؛ إذ لا يعقل أن يولد «كاكاو» ثالث ملوك الأسرة الخامسة في عهد «خوفو»، ولكن المهم في هذه الخرافة أن هؤلاء الملوك الثلاثة هم الذين ورثوا الملك بعد أولاد خوفو وأحفاده، كما أخبر «ديدى» الساحر الملك بقوله: «إن ابنك سيحكم وابن ابنك سيحكم ثم واحد منهم»، يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الملوك قد ولدوا من زوجة كاهن «رع» التي حملتهم من الإله نفسه، وأن الإله وعد الأم بأنهم سيحكمون، وأن أكبرهم سيكون كاهنا أكبر لعين شمس.

ومن المحتمل جدا أن تكون «خنت كاوس» قد تزوجت من كاهن عظيم لعين شمس، وبذلك يكون الدم الملكي يجري في أولادهما، ويعزز كهنة «رع» الذين أخذ حظهم يرتفع، ولذلك أصبح الملك يسمى «ابن الشمس»، وربما ادعى الملك نفسه أنه هو ابن الشمس الحقيقي، لأن والده هو كاهن الإله «رع» أو الصورة التي تقمص فيها «رع».

وقد أقامت «خنت كاوس» في عهد وصايتها على الملك هرما خاصا بها في منطقة أهرام الجيزة، وهجرت المنطقة التي بنى فيها «شبسسكاف» مقبرته الغريبة في بابها.

صفحه نامشخص