موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية

محمد توفیق السهلی d. 1450 AH
9

موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية

موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية

ژانرها

محمد

تقديم

قبل ثلاثة وخمسين عاما تمكنت العصابات الصهيونية المدعومة، دعما غير محدود، من حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين، من اقتلاع أكثر من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من وطنهم وتشتيتهم في بقاع العالم، قريبها وبعيدها. وتحت شعار «الكبار سيموتون والصغار سينسون»، ظن قادة الكيان الصهيوني أن بضع سنوات كفيلة بتذويب هذا الشعب في منافيه وقولبة كيانية جديدة له، لا يكون عمادها الوطن المسلوب، إلا أن هذا الحلم الصهيوني واجه على مر سنوات الشتات الثلاثة والخمسين الفشل تلو الفشل؛ ففي حين كان الموت حقيقة قضى خلالها مئات الآلاف من الفلسطينيين في الشتات، إلا أن النسيان لم يتمكن من قهر الذاكرة الفلسطينية. وهو أمر أكدته الحكومات الصهيونية ذاتها؛ فبعد أكثر من عقدين على مقولة «الكبار سيموتون والصغار سينسون»، التي طالما رددها الرمز الصهيوني ابن غوريون، عادت رئيسة الحكومة الصهيونية الأسبق غولدا مائير لتؤكد أن أكثر ما يثير قلقها هو ولادة طفل فلسطيني؛ لأنها أدركت - آنذاك، وبعد أكثر من عقدين على «تشكيل الدولة» - أن الأطفال يتوارثون تاريخهم وذاكرتهم أدق التفاصيل عن مدنهم وقراهم، كابرا عن كابر.

والآن وبعد مضي ما ينوف عن النصف قرن من الاقتلاع الصهيوني للفلسطينيين من مدنهم وقراهم يدرك هذا الكيان أن عمر وجوده مقترن بتوفر بعض الإمكانات المادية التي تحسم المعركة؛ فالوطن والنكبة وقطار المجازر بكل محطاته منذ هبة 1929م وما قبلها، وحتى هبة 2000م (الانتفاضة المباركة) وما بعدها، ما تزال تقبع بذاكرة ابن التسعين كما هي في ذاكرة ابن العقد الأول من عمره، وما تزال تبشر بميلاد ستختلف بعده الذكريات ما دام ثدي المرأة الفلسطينية يرضع أطفاله حتى أقصى حالات الشبع، حتى يكون هذا الطفل في المعادلة «شبع من حليب أمه.»

هذه المراهنة لن تخسر - بحول الله - فهي ليست محض غرور أو خيال، بل هي الحقيقة التي لا بد أن يراها من يقرأ التاريخ ويستذكر دروسه ويعرف أنه (ما ضاع حق وراءه مطالب).

من هذا الباب تأتي أهمية هذا العمل الذي نحن بصدده؛ فهذا العمل المتميز وهو المثل الشعبي الفلسطيني إسهام كبير في توثيق جزء مهم من الذاكرة الفلسطينية، التي تميزت بخصائص فريدة تنبع من تميز تجربتها.

ولعل من نافل القول التذكير بأن التلون الفريد في التجربة الفلسطينية، والذي ينعكس على كل مناحي الذاكرة الفلسطينية، كما هو واضح في سياق هذا العمل البحثي، يرجع إلى عمق وغنى التجربة الإنسانية والنضالية الفلسطينية، على حد سواء.

فالشعب الذي رد نابليون عن أبواب عكا، وأبدع الإضراب الأطول في التاريخ، وابتكر الانتفاضة الأولى والثانية، ولا تغيير سيبدع آلية، لا يعلمها إلا الله، تمكنه من تحرير آخر شبر من وطنه المحتل يحمل مخزونا هائلا من التجارب التي عبر عنها ب «العتابة» تارة، وبالمثل أخرى، وب «الدلعونة» مرة ثالثة، وبغيرها الكثير.

محاولة الباحث المجد محمد توفيق السهلي، توثيق أكبر عدد من الأمثال الشعبية، إسهام من إسهاماته المتميزة في مضمار توثيق التراث الشعبي الفلسطيني، المسألة التي طالما كرس لها الكثير من وقته وجهده، وهي بالتالي إنجازات تستحق الثناء، خاصة أنه حاول أثناء تناوله للمثل الشعبي أن يحصي العدد الأكبر من الأمثال ما أمكنه إلى ذلك سبيل.

ولعل ما أفرده الباحث من تبيان لمعنى كل مثل على حدة - خاصة في أمثال يخفي مبناها معناها - يبين مدى الجهد والوقت الكبيرين اللذين بذلهما الباحث من تمحيص واستقصاء حتى جمع ما جمع من تراث كل أطياف المجتمع الفلسطيني من أقصاه إلى أقصاه.

صفحه نامشخص