وقد خطب النبى - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الجموع الكبيرة بعد
الإحرام، فوعظهم، وعلمهم مناسك الحج، وقال لهم: «خذوا عنى
مناسككم».
وسار ركب الحج النبوى إلى «مكة المكرمة» فى يوم التروية -الثامن
من ذى الحجة - وتوجه إلى «منى»، فصلى بها الظهر والعصر
والمغرب والعشاء، وصبح يوم عرفة، وبعد الصلاة توجه إلى عرفات
فى التاسع من ذى الحجة، وهناك خطبهم «خطبة الوداع»، وهى
خطبة طويلة، بدأها النبى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أيها الناس،
اسمعوا قولى، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا
الموقف أبدا، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، إلى أن
تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون
ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة
فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رءوس
أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا العباس
بن عبدالمطلب موضوع كله، وإن كل دم كان فى الجاهلية موضوع،
وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب - ابن عم
النبى - صلى الله عليه وسلم - - وكان مسترضعا فى بنى ليث فقتلته
هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية».
ثم واصل خطبته مقررا فيها قواعد الإسلام وشرائعه، هادما قواعد
الشرك والجاهلية، موضحا المحرمات التى اتفقت جميع الشرائع
السماوية على تحريمها، وهى الدماء والأموال والأعراض، ووضع
أمور الجاهلية كلها تحت قدميه، وأوصاهم بالنساء خيرا، وحذرهم
من الفتن، وختمها بتلك الكلمات المباركات، فقال: فاعقلوا أيها الناس
قولى، فإنى قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا
أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه.
وبعد أداء بقية مناسك الحج، عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سعيدا مغتبطا إلى مدينته، ليستعد للقاء ربه راضيا مرضيا عنه من ربه
الذى أرسله رحمة للعالمين، ومن أمته التى بلغها رسالة ربه،
صفحه ۶۰