Mawsuat Sharh Asma Allah Alhusna
موسوعة شرح أسماء الله الحسنى
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٤١ هـ
ژانرها
موسوعة شرح أسماء الله الحسنى
تأليف: أ. د. نوال عبد العزيز العيد
شارك في الإعداد والإخراج فريق علمي بإدارة: أ. وفاء بنت محسن التركي
1 / 3
المقدمة
رحلة المشروع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢] ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١] (^١)، أما بعد:
بدأت فكرة الموسوعة بدروس علمية أسبوعية في جامع عثمان بن عفان في حي الواحة بالرياض في عام ١٤٢٦ من هجرة رسول الله ﷺ، كل يوم أحد بعد صلاة العشاء، واستمرت قرابة السبع سنين، أنهينا فيها ولله الحمد شرح الأسماء الحسنى.
_________
(^١) أخرجه ابن ماجه في سنته، ح: (١٨٩٢)، قال الألباني: حديث صحيح.
1 / 9
وقامت الفاضلة الأستاذة: نورة الغفيلي بتفريغ الشروح وترتيبها، إلا أنه كان من الصعب طباعتها ككتاب بعد هذا التفريغ؛ لحاجته للمراجعة والتهذيب، وتهيئتها لإخراجها كموسوعة.
وعليه تم تشكيل فريق بحثي قام بدراسة مسحية لجميع كتب شروح الأسماء الحسنى العلمية، وإعطاء وصف لكل كتاب، والإضافة العلمية فيه، واستخرت الله مع الفريق لإخراج موسوعة علمية لشرح أسماء الله الحسنى نرجو أن تكون عملًا صالحًا ممتدًا، يبقى أجره وبره بعد انقطاع الأجل.
ومما لا شك فيه أن في كل الكتب والشروح الخاصة بشرح أسماء الله الحسنى فائدة عظيمة وجليلة، ويكفيها في ذلك شرفًا أنها في أجل العلوم على الإطلاق، إلا أننا اجتهدنا بعد توفيق الله وتسديده في إضافة بعض المزايا في هذه الموسوعة، ويمكن تصنيف هذه المزايا كالتالي:
١ - تقسيم الموسوعة، وأسلوب الكتابة:
أولا: تم تقسيم الأسماء فيها على طريقة بديعة لم يُسبق إليها، -بحسب ما اطلع عليه الفريق العلمي-، وكانت على النحو التالي:
الأسماء التي ثبتت في القرآن والسنة.
الأسماء التي ثبتت في القرآن دون السنة.
الأسماء التي ثبتت في السنة دون القرآن.
ثانيا: أسلوب الكتابة في الموسوعة كان الأسلوب السهل الممتنع، إذ أنه يسهل على كل قارئ فهم الموسوعة، فصياغتها تجمع بين الأسلوب الأدبي البليغ، مع سهولة وسلاسة الألفاظ، وقوة وفخامة التراكيب.
1 / 10
٢ - العناية بالجانب العملي التطبيقي المستنبط من فهم أسماء الله الحسنى.
حيث اعتمدت الموسوعة على حصر جميع الآيات الواردة في الاسم، وربطها بآثارها المسلكية لتنمية ملكة الاستدلال والاستنباط لدى القارئ.
وتم التركيز على جانب الآثار المسلكية في كل اسم من الأسماء الحسنى، بحيث لا تقل نسبة هذه الآثار عن ٨٠% من مجمل شرح الاسم، ويقصد بهذه الآثار: التطبيقات الإيمانية والتربوية والسلوكية المستنبطة من الإيمان بهذه الأسماء الجليلة.
٣ - العناية بالجانب القيمي والأخلاقي المستنبط من فهم أسماء الله الحسنى.
فإضافة لتركيز الموسوعة على جانب الآثار المسلكية التطبيقية، فهي تخصص ملحقات خاصة بكل اسم يمكن أن يكون للعبد حظ منه، كاسم الكريم والرحمن والحيي والستير … الخ، وفي هذا الملحق يتم عرض هذه القيم والأخلاق ببيان معناها وفضلها وكيفية التخلق بها.
٤ - خضوع الموسوعة لعمليات عديدة في التقييم والتقويم.
فقد خضعت الموسوعة لعمليات عديدة في التقييم والتقويم، وذلك وفق آليات محددة كالتالي:
حصر جميع الأعمال التي تقدمت في شرح أسماء الله الحسنى، وتقييم العمل فيها قبل البدء بالموسوعة؛ للاستفادة منها، وتقديم إضافة علمية
1 / 11
حقيقة لما تقدم من مشاريع، وقد حقق الفريق العلمي ولله الحمد هذه الإضافة بشهادة المراجعين من أهل الاختصاص.
عُرضت جميع البحوث بعد الانتهاء منها على أستاذات فاضلات، حاصلات على درجة الدكتوراه في تخصصي: العقيدة واللغة العربية؛ للتدقيق العقدي واللغوي.
وقد تولى كامل الإشراف والمتابعة، والمشاركة في التصنيف الأستاذة الفاضلة: وفاء بنت محسن التركي، التي كانت تعمل ليل نهار من أجل هذا العمل المبارك، ولا تألُ جهدًا في إخراجه، حتى يسر الله التمام، وكتب الله صدور هذه الموسوعة المباركة التي نسأل الله لها القبول، (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم).
كتبته: …
أ. د. نوال العيد
1 / 12
المنهجية المتبعة في تقسيم الأسماء الحسنى
المنهجية الأولى: قسمت الأسماء الحسنى في هذه الموسوعة إلى ثلاثة أقسام، وهي:
الأسماء التي ثبتت في القرآن والسنة.
الأسماء التي ثبتت في القرآن دون السنة.
الأسماء التي ثبتت في السنة دون القرآن.
وهذا الشرط مضطردًا إلا في مواضع عشرة -سيأتي تفصيلها-، فقد تم تصنيف الاسم في أحد الأقسام الثلاثة المتقدمة بناء على الاسم الأول منها، كالخالق الخلاق البارئ المصور وضعناه تحت القسم الأول (الأسماء التي ثبتت في القرآن والسنة)؛ لأن الاسم الأول منها (الخالق) جاءت نصوص تثبته من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، أما الخلاق فلم يرد إلا في القرآن دون السنة ......، وهكذا في بقية الأسماء العشرة، وتفصيل ذلك ما يلي:
الأسماء التي أثبتت في القرآن والسنة، بناء على أن الاسم الأول منها ثابت فيهما:
الخالق والخلاق والبارئ والمصور.
الرازق والرزاق.
الكريم والأكرم.
الناصر والنصير والغالب.
1 / 13
الملك والمالك والمليك.
القدير والقادر والمقتدر.
القهار والقاهر.
الوكيل والكفيل والكافي.
الأسماء التي أثبتت في القرآن دون السنة، بناء على ان الاسم الأول منها ثبت في القرآن دون السنة، وهو اسم واحد:
الحسيب والديان.
الأسماء التي أثبتت في السنة دون القرآن، بناء على أن الاسم الأول منها ثابت في السنة دون القرآن، وهو اسم واحد:
السبوح والقدوس.
المنهجية الثانية: اضطراد العمل في الموسوعة على إفراد كل اسم بشرح مستقل إن كان مفردًا كالجبار والعفو والرفيق، أما الأسماء المختلفة في اللفظ والدالة على صفة واحدة كالحافظ الحفيظ، والكريم الأكرم، والمالك الملك … وغير ذلك من الأسماء فتم جمعها في شرح واحد، وكذلك الأسماء التي اختلف لفظها وتقاربت آثارها المسلكية تم جمعها في شرح واحد كالحيي الستير، والحاسب الديان، والقريب المجيب، وغيرها.
1 / 14
تقسيمات البحث
رحلة المشروع.
المنهجية المتبعة في تقسيم الأسماء.
تقسيمات البحث.
أهمية العيش مع أسماء الله وصفاته، وأثرها على المتدبر.
قواعد في أسماء الله وصفاته وفق منهج أهل السنة والجماعة.
شرح أسماء الله الحسنى، كالتالي:
أولًا: الأسماء التي ثبتت في القرآن الكريم والسنة النبوية:
١) الأول والآخر ﷾.
٢) بديع السماوات والأرض ﷾.
٣) البصير ﷾.
٤) التواب ﷾.
٥) الجبار ﷾.
٦) الحق ﷾.
٧) الحكيم والحكم ﷾.
٨) الحليم ﷾.
٩) الحميد ﷾.
1 / 15
١٠) الحي والقيوم ﷾.
١١) الخالق والخلاق والبارئ والمصور ﷾.
١٢) الخبير ﷾.
١٣) ذو الجلال والإكرام ﷾.
١٤) الرب ﷾.
١٥) الرحمن والرحيم ﷾.
١٦) الرازق والرزاق ﷾.
١٧) الرؤوف ﷾.
١٨) السلام ﷾.
١٩) السميع ﷾.
٢٠) الشكور والشاكر ﷾.
٢١) الشهيد ﷾.
٢٢) الصمد ﷾.
٢٣) الظاهر والباطن ﷾.
٢٤) العزيز ﷾.
٢٥) العظيم ﷾.
٢٦) العفو ﷾.
٢٧) العلي والأعلى والمتعال ﷾.
1 / 16
٢٨) العليم والعالم وعلام الغيوب ﷾.
٢٩) الغفور والغفار ﷾.
٣٠) الغني ﷾.
٣١) فاطر السماوات والأرض ﷾.
٣٢) القدير والقادر والمقتدر ﷾.
٣٣) القريب والمجيب ﷾.
٣٤) القهار والقاهر ﷾.
٣٥) الكبير والمتكبر ﷾.
٣٦) الكريم والأكرم ﷾.
٣٧) اللطيف ﷾.
٣٨) الله ﷾.
٣٩) المجيد ﷾.
٤٠) المستعان ﷾.
٤١) الملك والمالك والمليك ﷾.
٤٢) الناصر والنصير والغالب ﷾.
٤٣) نور السماوات والأرض ﷾.
٤٤) الواحد والأحد ﷾.
٤٥) الودود ﷾.
1 / 17
٤٦) الوكيل والكفيل، والكافي ﷾.
٤٧) الولي والمولى ﷾.
٤٨) الوهاب ﷾.
ثانيًا: الأسماء التي ثبتت في القرآن الكريم فقط
البر ﷾.
الحسيب والديان ﷾.
الحفيظ والحافظ ﷾.
ذو الفضل ﷾.
الرقيب ﷾.
الفتاح ﷾.
القوي والمتين ﷾.
المبين ﷾.
المحيط ﷾.
المهيمن ﷾.
المؤمن ﷾.
الهادي ﷾.
الوارث ﷾.
الواسع ﷾.
1 / 18
ثالثًا: الأسماء التي ثبتت في السنة النبوية فقط:
الجميل ﷾.
الحيي والستير ﷾.
الرفيق ﷾.
السبوح والقدوس ﷾.
السيد ﷾.
الشافي ﷾.
الطيب ﷾.
القابض والباسط ﷾.
المحسن ﷾.
المقدم والمؤخر ﷾.
المنان ﷾.
الوتر ﷾.
1 / 19
أهمية العيش مع أسماء الله وصفاته، وأثرها على المتدبر
إن أهم ما يتضمنّه الإيمان بالله تَعَالَى -الذي هو أول أركان الإيمان- هو التعرف على الله سُبْحَانَهُ بأسمائه وصفاته، ولهذه المعرفة آثار عظيمة في حياة المؤمن في الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما يلي:
١ - العلم بأسماء الله وصفاته أشرف العلوم وأفضلها:
«فشرف العلم بشرف المعلوم، وهو الرب، وأن العلم به ثلاث مقامات: العلم بالذات، والصفات، والأفعال» (^١)، «وكما أن العلم به تَعَالَى أجل العلوم وأشرفها، فهو أصلها كلها …، وكل موجود سوى الله فهو مستند في وجوده إليه استناد المصنوع إلى صانعه، والمفعول إلى فاعله، فالعلم بذاته سُبْحَانَهُ وصفاته وأفعاله يستلزم العلم بما سواه، فهو في ذاته رب كل شيء ومليكه، والعلم به أصل كل علم ومنشؤه، فمن عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربه فهو لما سواه أجهل، يقول تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩)﴾ [الحشر: ١٩] فتأمل هذه الآية تجد تحتها معنًا شريفًا عظيمًا، وهو أن من نسى ربه أنساه ذاته، ونفسه، فلم يعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نسى ما به صلاحه وفلاحه في معاشه» (^٢).
_________
(^١) النبوات، ابن تيمية، (ص: ٨٩)
(^٢) مفتاح دار السعادة، ابن القيم، (١/ ٨٦)
1 / 20
٢ - معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى هي الطريق الرئيسي إلى معرفة الله:
يقول ابن القيم ﵀: «معرفة الله سُبْحَانَهُ نوعان: معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها الناس، البر والفاجر، والمطيع والعاصي، والثاني: معرفة توجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلق القلب به، والشوق إلى لقائه، وخشيته والإنابة إليه، والأنس به، والفرار من الخلق إليه، وهذه هي المعرفة الخالصة الجارية على لسن القوم، وتفاوتهم فيها لا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه، وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم، وكل أشار إلى هذه المعرفة بحسب مقامه، وما كشف له منها، وقد قال أعرف الخلق به: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (^١)، وأخبر أنه سُبْحَانَهُ يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما لا يحسنه الآن.
ولهذه المعرفة بابان واسعان: باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله، والباب الثاني: التفكر في آياته المشهودة وتأمل حكمته فيها وقدرته، ولطفه وإحسانه، وعدله وقيامه بالقسط على خلقه.
وجماع ذلك: الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها، وتفرده بذلك، وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون فقيهًا في أوامره ونواهيه، فقيهًا في قضائه وقدره، فقيها في أسمائه وصفاته، فقيهًا في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني القدري، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم» (^٢).
_________
(^١) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٤٨٦)
(^٢) الفوائد، ابن القيم، (ص: ١٧٠)
1 / 21
٣ - معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى تقوي الإيمان وتحقق التوحيد، وتورث خشية الله:
فهناك تلازم وثيق بين إثبات الأسماء والصفات لله وتوحيد الله تَعَالَى، فكلما حقق العبد أسماء الله وصفاته علمًا وعملًا كان أعظم وأكمل توحيدًا، وفي المقابل: فإن هناك تلازمًا وطيدًا بين إنكار الأسماء أو الصفات، وبين الشرك.
يقول ابن القيم في تقرير هذا التلازم: «كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كماله - أو بعضه - وظن السوء به لما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء وأهل التوحيد لقومه: ﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧)﴾ [الصافات: ٨٦ - ٨٧].
أي فما ظنكم به أن يجازيكم، وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟ أظننتم: أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم: أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده، حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بها كالملوك؟ أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم وقضاء حوائجهم، أم هو قاس؛ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟ أم ذليل؛ فيحتاج إلى ولي يتكثر به من القلة، ويتعزز به من الذلة؟ أم يحتاج إلى الولد؛ فيتخذ صاحبة يكون الولد منها ومنه؟ تَعَالَى الله عن ذلك كله علوا كبيرا، والمقصود: أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه، فلا تجد معطلا إلا وشركه على حسب تعطيله، فمستقل ومستكثر» (^١)
يقول الشيخ السعدي في تقرير التوحيد بالإيمان بأسماء الله وصفاته: «إن
_________
(^١) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، (٣/ ٣٢٤)
1 / 22
الإيمان بأسماء الله الحسنى، ومعرفتها يتضمّن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبيّة، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي رَوح الإيمان وروحه، وأصله وغايته، فكلّما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه، وقوي يقينه.
ويقول ابن القيم: «إن العلم بالله أصل كل علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله، ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها، وكمالها وما تزكو به، وتفلح به، فالعلم به سعادة العبد، والجهل به أصل شقاوته …، فلا شيء أطيب للعبد، ولا ألذ ولا أهنأ، ولا أنعم لقلبه وعيشه من محبة فاطره وباريه، ودوام ذكره والسعي في مرضاته، وهذا هو الكمال الذي لا كمال للعبد بدونه، وله خلق الخلق، ولأجله نزل الوحي، وأرسلت الرسل، وقامت السماوات والأرض، ووجدت الجنة والنار، ولأجله شرعت الشرائع» (^١)
ومن قوي إيمانه وعلمه ازدادت خشيته من ربه، يقول تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وفي الحديث: يقول ﷺ: «أما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له» (^٢)، ويقول ابن مَسْعُودٍ في ذلكُ: «كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا» (^٣).
_________
(^١) مفتاح دار السعادة، (١/ ٨٦)
(^٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (١١٠٨).
(^٣) جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر القرطبي، (٢/ ٨١٢)
1 / 23
٤ - معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى أصل كل عبادة:
فمن أراد امتثال أوامر الله تَعَالَى واجتناب نواهيه فلابد أن يعرف ربه أولا، ولذلك كان أول أمرٍ أمرَ النبي صلى الله عليه به معاذ إذا قدم على أهل اليمن أن يعرفهم بربهم، ففي حديث ابن عباس ﵄ قال: أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذا ﵁ على اليمن قال: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» (^١).
٥ - إحصاء أسماء الله الحسنى من أعظم أسباب دخول الجنة:
روى البخاري في صحيحه من حديث أبو هريرة ﵁، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (^٢)
يقول ابن القيم في معنى إحصائها: «في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة، وهذا هو قطب السعادة، ومدار النجاة والفلاح.
المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.
المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها.
_________
(^١) أخرجه البخاري واللفظ له، رقم الحديث: (١٤٥٨)، ومسلم، رقم الحديث: (١٩).
(^٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٧٣٩٢)، ومسلم، رقم الحديث: (٢٦٧٧).
1 / 24
المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وهو مرتبتان، إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثاني: دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها» (^١).
٦ - العمل بمقتضى أسماء الله الحسنى:
قال ابن بطال في معنى حديث «من أحصاها دخل الجنة»: «يحتمل أن يكون الإحصاء المراد في هذا الحديث والله أعلم: العمل بالأسماء والتعبد لمن سُمي بها، فإن قال قائل: كيف وجه إحصائها عملًا؟ قيل له وجه ذلك:
أن ما كان من أسماء الله تَعَالَى مما يجب على المؤمن الاقتداء بالله تَعَالَى فيه: كالرحيم والكريم، والعفو والغفور، والشكور والتواب وشبهها، فإن الله تَعَالَى يُحب أن يرى على عبده حلاها ويرضى له معناها، والاقتداء به تَعَالَى فيها، فهذا العمل بهذا النوع من الأسماء، وما كان منها مما لا يليق بالعبد معانيها كالله والأحد، والقدوس والجبار، والمتعال والمتكبر، والعظيم والعزيز، والقوي وشبهها، فإنه يجب على العبد الإقرار بها، والتذلل لها، والإشفاق منها.
وما كان بمعنى الوعيد: كشديد العقاب، وعزيز ذي انتقام، وسريع الحساب وشبهها، فإنه يجب على العبد الوقوف عند أمره، واجتناب نهيه، واستشعار خشية الله تَعَالَى من أجلها، خوف وعيده، وشديد عقابه، هذا وجه إحصائها عملًا، فهذا يدخل الجنة إن شاء الله، وأخبرني بعض أهل العلم عن
_________
(^١) بدائع الفوائد، ابن القيم، (١/ ١٦٤)
1 / 25
أبى محمد الأصيلى أنه أشار إلى هذا المعنى غير أنه لم يشرحه فقال: الإحصاء لأسمائه تَعَالَى هو: العمل بها، لا عدّها وحفظها فقط؛ لأنه قد يعدها المنافق والكافر وذلك غير نافع له» (^١).
٧ - معرفة أسماء الله الحسنى من أعظم أسباب إجابة الدعاء:
فالله سُبْحَانَهُ أمر عباده أولا بدعائه بأسمائه الحسنى، في قول تَعَالَى:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، ووعد بالإجابة في قوله تَعَالَى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠].
وفي حديث ابن مسعود ﵁ عن رَسُولِ الله ﷺ؛ أنه قال: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌ ولا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِني عَبْدُك، ابْنُ عَبْدِك، ابْنُ أَمَتِك، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِك، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحَزَنَهُ وأَبْدَلَ مَكَانَه فَرَحًا». فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا نَتَعَلَّمُها؟ فَقَالَ: «بَلَى يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ سَمِعَها أَنْ يَتَعَلَّمَها» (^٢).
٨ - محبة الله لمن فقه أسماءه الحسنى وأحبها:
ومما يدل على ذلك حديث عَاِئشَةَ ﵂؛ أنَّ النبيَّ ﷺ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ في صَلَاتِهِم، فَيَخْتِمُ بقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ للنَّبِي ﷺ، فَقَالَ: «سَلُوهُ لَأَي شَيْءٍ يَصْنَعُ
_________
(^١) شرح صحيح البخاري، (١٠/ ٤٢٠)
(^٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (٦٣٠٦)
1 / 26
ذلك؟» فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لأنَّها صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَخْبِرُوه أنَّ اللهَ يُحِبُّه» (^١)، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، قالَ الرَّجُلُ: إِنِّي أُحِبُّها، فَقَالَ: «حُبُّك إِياها أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ» (^٢).
٩ - معرفة أسماء الله الحسنى تورث حياة طيبة للعبد:
ومن ذلك: الصبر على المكروهات والمصائب النازلة بالعبد، فهو سُبْحَانَهُ حكيم عليم، حكم عدل، ولا يظلم أحدًا فمن عرف ربًا كذلك صبر على قضائه وقدره، يقول ابن القيم: «من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم يقينًا أن المكروهات التي تصيبه والمحن الذي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع، التي لا يحصيها علمه ولا فكرته، بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب» (^٣).
ومن ذلك أيضًا: حسن الظن بالله والثقة به تَعَالَى، فمعرفة أنه قادر حكيم، فعال لما يريد، يوجب ذلك، يقول ابن القيم: «وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته وأيس من روحه، فقد ظن به ظن السوء، ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن به أن يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي،
_________
(^١) أخرجه البخاري، رقم الحديث (٧٣٧٥)، ومسلم، رقم الحديث: (٨١٣).
(^٢) أخرجه البخاري في مختصره، رقم الحديث: (١٣٠).
(^٣) الفوائد، (ص: ٩٢)
1 / 27