ثم لقيت الأمير حفظه الله في جدة، فتحدثنا عن عكاظ، فوعد أن نذهب إليه معا ونكمل النظر والبحث هناك.
وحالت أشغال وأسفار حتى ذهبت إلى الطائف يوم الجمعة سادس شوال سنة 1369ه، فلقيت الأمير هناك وأعدنا الحديث عن عكاظ، وكنت على أهبة السفر إلى الرياض لتوديع جلالة الملك عبد العزيز قبل سفري إلى مصر، فاتفقنا على أن أعود من الرياض إلى الطائف فأصحب سمو الأمير والشيخ ابن بليهد إلى عكاظ. وكان الأمير حفظه الله يريد أن نضرب خيامنا في عكاظ يومين أو ثلاثة نجول في أرجائه، ونوفي البحث والنظر حقهما هناك.
وعدت إلى الطائف صباح الأربعاء - وكان الأمير في جدة مع الأمير سعود - فجاء إلى المطار الشيخ ابن بليهد في جماعة من أتباع الأمير، فبشروني بأنهم أعدوا العدة للذهاب إلى عكاظ، وأنا ذاهبون إليه فورا.
سرنا من مطار الحوية صوب الشرق نحو اثني عشر كيلا، فإذا أرض واسعة مطمئنة أدركنا فرق ما بينها وبين الأرض التي سرنا عليها من الحوية، يدل منظرها على أنها مجتمع مياه.
قال الرفاق: هذه عكاظ ... فتأهب الفكر للنظر والتأمل، واستنجد ما سمع عن عكاظ وما قرأ ليتبين أهذه عكاظ كما ذكرت في كتب الأدب والتقويم، وما أعظم سرور الباحث وزهوه حين يبلغ المكان التاريخي الذي اقترن بآداب الجاهلية وأخبارها!
معالم عكاظ
سرنا إلى الشرق نقصد حرة كبيرة عالية مشرفة على سهل واسع، سرنا إليها بالسيارة نمر بأحجار كبيرة بيضاء من المرمر، قال الشيخ: انظر هذه العبيلات.
فلما بلغنا الحرة قيل: انظر إلى هذا القصر المشيد. فنظرت إلى الشرق والشمال، فإذا بناء منيف على ربوة، قال الرفاق: نذهب إليه ثم نعود إلى الحرة. فذهبنا فإذا بناء على ربوة، فصعدنا فرأينا بناء متينا فيه بهو وحجرات وعقود محكمة، قال الشيخ ابن بليهد: هذا جاهلي. وقال بعض الرفاق: هو هلالي - وكل أثر قديم ضخم تنسبه البادية إلى بني هلال قوم أبي زيد الهلالي البطل المعروف في القصص - قلت: بناء حديث، أغلب الظن أنه من بناء عصورنا، لا يتقدم أيام العثمانيين ... فصدقني بعض الرفاق وقال: يقال إنه من بناء أشراف مكة.
ورجعنا إلى الحرة فصعدنا وأجلنا البصر فيما حولنا، وكانت الساعة خمسا من النهار، وقد اقترب الظهر، ولكن الهواء كان باردا لا نبالي معه مس الشمس.
قال الشيخ: إن عرام بن الأصبغ السلمي يقول في عكاظ: «وهو في أرض مستوية ليس بها جبال، وإذا كنت في عكاظ طلعت عليك الشمس على حرة سوداء، وبه عبيلات بيض تطيف بها العرب في جاهليتهم وينحرون عندها.»
صفحه نامشخص