وها هنا نصل إلى النقطة التي نريد أن نؤكدها لأهميتها البالغة فيما نحن بصدده، وتلك هي أن العبارة الوصفية لا بد - لكي يمكن فهمها - أن تكون ممكنة التحويل إلى جزئيات يمكن معرفتها بالاتصال المباشر، وإلا كانت بغير معنى، حين أقول لك جملة مثل: «الجبل الواقع شرقي القاهرة»، فلا سبيل إلى قبول القول، بل لا سبيل إلى فهمه ، ما لم يكن في إمكانك تحويل كل وصف في هذه الجملة إلى معرفة جزئية مباشرة، فأنت تعرف معنى «الجبل» إذا كان في إمكانك أن تدرك بحواسك شيئا وتشير إليه بإصبعك قائلا: «هذا هو المسمى بكذا (المقطم مثلا)، وهو موصوف بالصفات التي تجعل منه جبلا»، وكذلك تعرف معنى «شرقي» (في قولنا يقع شرقي القاهرة) إذا كان في إمكانك تمييز هذا النوع من العلاقة المكانية بين الأشياء، وأيضا تعرف معنى «القاهرة» إذا كنت تستطيع الإدراك الحسي للمكونات التي يقال إنها تميز القاهرة مما عداها، إذن ففهمك للعبارة الوصفية موقوف حتما على خبراتك الحسية المباشرة.
معرفة الأشياء بالوصف لا سبيل إليها بغير إمكان تحليل الأوصاف إلى معروفات مباشرة تقع لنا في خبراتنا، «فما أقول عنه إنه معرفة بالوصف يمكن تحويله في النهاية إلى معرفة بالاتصال المباشر.»
25 «فالمبدأ الأساسي في نظرية المعرفة، ذلك المبدأ الذي نركن إليه في تحليلنا للقضايا المشتملة على عبارات وصفية، هو هذا: أي قضية يمكننا فهم معناها لا بد أن تتألف بجميع أجزائها من مكونات نعرفها بالاتصال المباشر.»
26 «... وذلك لأن أي جزء في أية قضية، لا يكون مما نتصل به اتصالا مباشرا، مستحيل علينا فهمه».
27
إن كثيرا جدا من العبارات الميتافيزيقية، مثل «النفس خالدة» و«العقل جوهر روحاني» و«المطلق ليست له في الزمان بداية أو نهاية» ... إلخ إلخ، قائم على افتراض أن العبارة الوصفية تعمل عمل اسم العلم، من حيث إنها تشير إلى موجودات حقيقية واقعية، فإن لم يجد الميتافيزيقيون موجوداتهم هذه بين الأشياء المحسوسة، افترضوا وجودها وجودا ضمنيا، فالميتافيزيقا إن هي في حقيقة الأمر إلا «نتيجة الزعم الساذج بأن العبارات الوصفية الخاصة (أو العامة) رموز للإشارة»،
28 (مثل «هذا» و«ذلك» مما يترتب عليه حتما وجود الأشياء المشار إليها). (2) نظريته في الفئات
29
9
رأينا في تحليلنا للعبارات الوصفية، أن من أهم النتائج التي أدى إليها ذلك التحليل، هو أن العبارة الوصفية رمز ناقص، أعني أنها رمز لا يصلح للتعريف وهو قائم وحده، وأنه لا يتحتم أن يكون له مسمى في عالم الأشياء الواقعة، فالعبارة الوصفية الآتية: «مؤلف الإلياذة » رمز ناقص، بمعنى أنك إذا طالبت بتعريف لها، كان لا بد لمن يقدم التعريف أن يضعها في جملة تحتويها، ثم يعرف الجملة بأسرها، كأن يقول: «مؤلف الإلياذة هو هوميروس.» ثم يحلل هذه الجملة إلى القضايا الثلاث كما فعل «رسل» في جملة «مؤلف ويفرلي كان اسكتلنديا.» والقضايا الثلاث في هذه الحالة هي: (1) شخص واحد على الأقل كتب الإلياذة. (2) شخص واحد على الأكثر كتب الإلياذة. (3) أيا من كان كاتب الإلياذة فهو هوميروس. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن هذه العبارة الوصفية رمز ناقص، بمعنى ثان، وهو أنه لا يتحتم أن يكون هنالك شخص حقيقي تاريخي اسمه هومر، أي إنه لا يجوز لنا أن نفترض وجود المسمى على أساس وجود اسمه، ما دام هذا الاسم عبارة وصفية.
صفحه نامشخص