الفصل السادس
الميتافيزيقا تحت معاول التحليل: أمثلة من التحليل عند بيرتراند رسل
(1) نظريته في تحليل العبارة الوصفية
1
تحليل الكل إلى أجزائه عملية لم يوافق عليها كثير من الفلاسفة منذ أقدم العصور، إذ اعتقد هؤلاء أن تحليل الكل إفساد لحقيقته وإبطال لمعناه؛ لأن الكل الواحد - في رأيهم - ليس مؤلفا من مجرد أجزائه رص بعضها إلى جانب بعض كما اتفق، بل هو وحدة عضوية تضفي على كل جزء من أجزائها معنى يجعله - وهو عضو فيها - مختلفا عنه وهو معزول عنها قائم بمفرده، وكثيرا ما أدى هذا المنطق بأصحابه إلى اعتبار الكون كله حقيقة واحدة يستحيل عليها التكثر والتجزئة.
والذي يهمنا الآن من موقف هؤلاء، هو إحدى نتائجه العجيبة، وهي أن هنالك ضربا من المعرفة يستحيل على التعبير اللفظي في عبارات وكلمات؛ لأنه ما دامت الحقيقة واحدة موحدة، فكيف تبيح لنفسك أن تصفها وتصورها بقطع مجزأة، هي العبارات اللفظية، والألفاظ التي تتألف منها كل عبارة؟
فحسبنا - إذن - دفاعا عن إمكان التحليل، بل دفاعا عن وجوبه، أن نقول إنه لا مندوحة لنا عن التعبير عما نعرفه بلغة كائنة ما كانت ، ولا مندوحة للغة عن تجزئة ألفاظها وعباراتها ، «فالجمل مؤلفة من كلمات، والكلمات المطبوعة مؤلفة من أحرف، والمؤلف الذي يقدم كتابا للطبع، يجمع له عمال الطباعة قطعا منفصلة هي أحرف الطباعة، يجمعونها في نظام معين، ومع ذلك فلو كان صاحب الكتاب فيلسوفا [من القائلين باستحالة التحليل]، فقد يكون في كتابه هذا ما يقرر به أن الفكر يستحيل تصويره بسلسلة من الأشياء المادية مهما يكن نوعها ... إن الفكر الذي يمكن انتقاله بين الناس، لا يمكن أن يبلغ من كثرة العناصر وتعقدها حدا يصبح معه محالا أن يتركب من أحرف الهجاء وتشكيلاتها المختلفة الممكنة، فقد يكون شيكسبير غاية في عبقرية العقل، لكن هذه العبقرية كلها لا يمكن أن تجيئنا إلا في ترقيمات سوداء على ورق أبيض، والذين يقولون إن الكلمات تبطل حقيقة الواقع ينسون أن الكلمات في ذاتها حقيقة واقعة، وأن الجمل والكلمات - باعتبارها حقائق واقعة - مؤلفة من أجزاء منفصل بعضها عن بعض، لكل جزء منها اسم خاص به [هي أسماء أحرف الهجاء] ... وإذن فلا شك أبدا في أن بعض الحقائق الواقعة يمكن تحليله إلى أجزائه.»
1
فالتحليل ممكن، بل هو عملية ضرورية أحيانا إذا أردنا أن نحسن فهم الكل الذي نحلله، ومما يجب تحليله لحسن فهمه عبارات اللغة التي نستخدمها في العلم وفي شئون حياتنا اليومية، ليتم بها التفاهم، وتحليل الجملة عند «برتراند رسل» يبدأ أولا بتمييز مكوناتها بعضها من بعض؛ لتحليل كل منها على حدة،
2
صفحه نامشخص