كِتَابُ أَسْرَارِ الْحَجِّ
جَعَلَ اللَّهُ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَأَكْرَمَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا وَتَحْصِينًا وَمَنًّا، وَجَعَلَ زِيَارَتَهُ وَالطَّوَافَ بِهِ حِجَابًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْعَذَابِ وَمِجَنًّا. وَالْحَجُّ مِنْ بَيْنِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ عِبَادَةُ الْعُمْرِ وَتَمَامُ الْإِسْلَامِ وَكَمَالُ الدِّينِ، وَأَجْدَرُ بِهَا أَنْ تُصْرَفَ الْعِنَايَةُ إِلَى شَرْحِهَا وَتَفْصِيلِ أَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا وَآدَابِهَا وَفَضَائِلِهَا وَأَسْرَارِهَا.
[الْبَابُ الْأَوَّلُ] فَضَائِلُ الْحَجِّ وَفَضِيلَةُ الْبَيْتِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
وَشَدِّ الرِّحَالِ إِلَى الْمَسْجِدِ
قَالَ اللَّهُ ﷿: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الْحَجِّ: ٢٧] قَالَ " قتادة ": لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ ﷿ " إِبْرَاهِيمَ " ﵇ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ نَادَى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ ﷿ بَنَى بَيْتًا فَحُجُّوهُ " وَقَالَ ﷺ: " مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " وَيُرْوَى: " إِنَّ الْكَعْبَةَ تُحْشَرُ كَالْعَرُوسِ الْمَزْفُوفَةِ، وَكُلُّ مَنْ حَجَّهَا مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِهَا يَسْعَوْنَ حَوْلَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ. وَعَنِ " الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " ﵁ أَنَّ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَذَلِكَ كَلُّ حَسَنَةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ بِهَا كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ. وَلَمَّا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَكَّةَ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَقَالَ: " إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ ﷿ وَأَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ لَمَا خَرَجْتُ ".
وَمَا بَعْدَ مَكَّةَ بُقْعَةٌ أَفْضَلَ مِنْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَالْأَعْمَالُ فِيهَا أَيْضًا مُضَاعَفَةٌ،
1 / 64