موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

ابن محمد جمال الدین قاسمی d. 1332 AH
130

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

پژوهشگر

مأمون بن محيي الدين الجنان

ناشر

دار الكتب العلمية

تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " وَقَالَ ﵇: " إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِحَدِيثٍ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهُوَ أَمَانَةٌ " وَقَالَ: " الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ " وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنَّمَا يَتَجَالَسُ الْمُتَجَالِسَانِ بِالْأَمَانَةِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفْشِيَ عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَكْرَهُ ". قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: " كَيْفَ حِفْظُكَ لِلسِّرِّ "؟ قَالَ: " أَنَا قَبْرُهُ، فَإِنَّ صُدُورَ الْأَحْرَارِ قُبُورُ الْأَسْرَارِ ". وَأَفْشَى بَعْضُهُمْ سِرًّا لَهُ إِلَى أَخِيهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ " حَفِظْتَ " فَقَالَ: " بَلْ نَسِيتُ ". وَقَالَ العباس لِابْنِهِ " عبد الله ": " إِنِّي أَرَى هَذَا الرَّجُلَ - يَعْنِي عمر ﵁ يُقَدِّمُكَ عَلَى الْأَشْيَاخِ فَاحْفَظْ مِنِّي خَمْسًا: لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلَا يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِبًا، وَلَا تَعْصِيَنَّ لَهُ أَمْرًا، وَلَا يَطَّلِعَنَّ مِنْكَ عَلَى خِيَانَةٍ " فَقَالَ " الشَّعْبِيُّ ": كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ. وَمِنْ ذَلِكَ: السُّكُوتُ عَلَى الْمُمَارَاةِ وَالْمُدَافَعَةِ فِي كُلِّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَخُوكَ، قَالَ " ابْنُ عَبَّاسٍ ": " لَا تُمَارِ سَفِيهًا فَيُؤْذِيكَ وَلَا حَلِيمًا فَيَقْلِيكَ " وَقَدْ قَالَ ﷺ: " مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ " هَذَا مَعَ أَنَّ تَرْكَهُ مُبْطِلًا وَاجِبٌ، وَقَدْ جَعَلَ ثَوَابَ النَّفْلِ أَعْظَمَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ مِنَ السُّكُوتِ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ. وَأَشَدُّ الْأَسْبَابِ لِإِثَارَةِ نَارِ الْحِقْدِ بَيْنَ الْإِخْوَانِ الْمُمَارَاةُ وَالْمُنَاقَشَةُ فَإِنَّهَا عَيْنُ التَّدَابُرِ وَالتَّقَاطُعِ، فَإِنَّ التَّقَاطُعَ يَقَعُ أَوَّلًا بِالْآرَاءِ ثُمَّ بِالْأَقْوَالِ ثُمَّ بِالْأَبْدَانِ، وَقَالَ ﵇: " لَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا " وَقَدْ قَالَ ﷺ: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَحْرِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، وَأَشَدُّ الِاحْتِقَارِ الْمُمَارَاةُ، فَإِنَّ مَنْ رَدَّ عَلَى غَيْرِهِ كَلَامًا فَقَدْ نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ أَوِ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ عَنْ فَهْمِ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ اسْتِحْقَارٌ وَإِيغَارٌ لِلصَّدْرِ وَإِيحَاشٌ، وَفِي حَدِيثِ " أبي أمامة " قَالَ: " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَتَمَارَى فَغَضِبَ وَقَالَ: ذَرُوا الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ، وَذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ نَفْعَهُ قَلِيلٌ، وَإِنَّهُ يُهَيِّجُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْإِخْوَانِ ".

1 / 133