موعظة الحبيب وتحفة الخطيب
الإخراج الفني
حسن عبد القادر العزاني
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
هاتف: ٩٧١٤٦٠٨٧٧٧٧ + فاكس: ٩٧١٤٦٠٨٧٥٥٥ +
الإمارات العربية المتحدة ص. ب: ٣١٣٥ - دبي
www.iacad.gov.ae [email protected]
دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي
إدارة البحوث
ISBN ٩٧٨ - ٩٩٤٨ - ١٥ - ٣٧٤ - ٠
AXtGihaneLight
موعظة الحبيب
وتحفة الخطيب
(من خطب النبي والخلفاء الراشدين)
للعلامة الشيخ علي بن سلطان محمد القاري الحنفي المكي
المتوفى بمكة سنة ١٠١٤ هـ
حققها وعلق عليها وقدم لها
د. عبد الحكيم الأنيس
كبير باحثين أول بإدارة البحوث
صفحه نامشخص
أضواء أثر خطبة النبي ﷺ -
قالت السيدة عائشة ﵂:
"كان أُسيد بن حُضير من أفاضل الناس (١)، وكان يقول: لو أني أكون كما أكون على أحوال ثلاث من أحوالي لكنت [من أهل الجنة، وما شككت في ذلك]:
- حين أقرأ القرآن، وحين أسمعه يُقرأ.
- وإذا سمعت خطبة رسول الله ﷺ.
- وإذا شهدت جنازة، وما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بسوى ما هو مفعول بها، وما هي صائرة إليه" (٢).
_________
(١) كان أسيد بن حضير الأنصاري الأشهلي من السابقين إلى الإسلام، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ، واختلف في شهوده بدرًا، قال ابن سعد: كان شريفًا كاملًا ... وأرخ البغوي وغيره وفاته سنة عشرين، وقال المدائني: سنة إحدى وعشرين اهـ من ترجمته في الإصابة (١/ ٢٣٤ - ٢٣٥).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (١٩١١٦) وما بين المعقوفين من رواية الطبراني في المعجم الكبير برقم (٥٥٤).
1 / 7
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الميامين.
وبعد: فهذه رسالة جديدة للعلامة المتفنن الشيخ علي بن سلطان محمد القاري الحنفي المكي، الهروي الأصل، جمع فيها طائفة من خطب النبي ﷺ، وخطب الخلفاء الراشدين، مساعدة منه لضيف صالح فاضل من الأئمة والخطباء، ورد عليه في مكة، وذكر له أن واقف مسجده شرط في وقفه أن يخطب الخطيب من خطب السلف (١).
وقد قدم القاري بين يدي ذلك عدة أحاديث عن صلاة النبي ﷺ ولباسه وهديه وقراءته في الجمعة، ثم أورد مجموعة من خطبه، ثم أورد في أربعة فصول ما حضره من خطب الخلفاء الراشدين، مستخرجًا لها من عدة مصادر، أهمها كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لشيخه الشيخ علي المتقي الهندي (ت: ٩٧٥ هـ)، وهو يعلِّق على بعض الأحاديث، ويشرح بعض الغريب.
_________
(١) ينظر في تعريف الخطبة: التعريفات للجرجاني ص ١٣٤، وأنيس الفقهاء للقونوي ص ١١٧، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص ٣١٨، والكليات للكفوي ص ٤٣٣، وقد رجع إليها معدو (خطب النبي ﷺ في جمعية المكنز الإسلامي، ويضاف: تحرير التنبيه للنووي ص ٩٥، والقاموس الفقهي لغة واصطلاحًا ص ١١٨، ومعجم لغة الفقهاء ص ١٧٥، وخصائص الخطبة والخطيب ص ٢١ - ٢٢.
1 / 9
وهذا الموضوع ألف فيه العلماء ابتداء من أبي الحسن المدائني (١٣٢ - ٢٢٤ هـ) واستمر التأليف إلى الإربلي (ت: ٦١٩ هـ)، ثم لا نجد مؤلفًا في ذلك إلى زمن الشيخ علي القاري (ت: ١٠١٤ هـ)، ثم عاد العلماء إلى التأليف فيه في القرن الرابع عشر.
وهو جدير بالاهتمام الشديد، إذ (أخطب الخطباء رسول الله ﷺ، لأنه أفصح العرب لسانًا، لا بيان كبيانه، ولا كلام يعدل كلامه، أُيد بالحكمة، وحف بالعصمة، فبذَّ الناطقين، وحاز قصب السابقين، فصلى الله عليه وعلى جماعة النبيين) (١).
وخطب النبي ﷺ: (هي الأصل الأصيل، واقتفى آثارها الخلفاء الراشدون، وأكثر السلف ... قاله أبو عبد الله بن الطيب الشرقي في حواشيه على القاموس) (٢).
وترجع صلتي بالقاري إلى بداية طلبي العلم حين قرأت كتابيه: المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، وفتح باب العناية بشرح كتاب النقاية (الجزء الأول)، اللذين حققهما وعلَّق عليهما العلامة الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة (ت: ١٤١٧ هـ).
ومن ذلك الوقت وأنا أتابع كتبه، وأسعى إلى الحصول عليها، وصورت قسمًا منها من مكتبة الأوقاف العامة في بغداد، والجامعة الإسلامية ومكتبة
_________
(١) إحكام صنعة الكلام لأبي القاسم الكلاعي ص ١٦٧.
(٢) التراتيب الإدارية ١/ ٢٢٠. وانظر: تاريخ الأدب العربي للزيات ص ١٣١، والفن ومذاهبه في النثر العربي لشوقي ضيف ص ٥٧.
1 / 10
عارف حكمت في المدينة المنورة، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي. ونقلت بعضها بخطي، ومنها رسالته (أربعون حديثًا من جوامع الكلم) في ورقة واحدة، نقلتها من نسخة في مكتبة المتحف العراقي.
ومن هذه المصورات هذه الرسالة التي حصلت على أربع نسخ منها: من بغداد، والمدينة المنورة، واصطنبول.
وقد زاد من عزمي في العناية بها كلمةٌ قرأتها للأستاذ عبد الوهاب عزام (ت: ١٣٧٨ هـ) في كتابه (الشوارد) عن خطب الرسول ﷺ (١).
هذا، وقد قدمت للرسالة ثلاث مقدمات هي:
- ترجمة المؤلف باختصار.
- هذه الرسالة: موضوعها، ونسخها، وعنوانها، وتاريخ تأليفها، ومصادرها، ومنهج التحقيق.
- الكتب المؤلفة في الخطب النبوية قديمًا وحديثًا.
وأجد من المناسب هنا أن أذكِّر بضرورة تأليف (موسوعة الخطب
النبوية) باستقصاء شامل -وقد يسرت البرامج الإلكترونية الطريق إلى ذلك- يراعى فيها ما يأتي:
١ - التفريق الدقيق بين الخطبة والحديث، فكل خطبة حديث، وليس كل حديث خطبة.
_________
(١) انظر هذه الكلمة في الملحق ص ١٠١ - ١٠٢.
1 / 11
٢ - دراسة أسانيدها.
٣ - تبويبها تبويبًا يسهل الاستفادة منها.
٤ - بيان خطب الجمعة من خطب المناسبات ما أمكن ذلك (١).
٥ - البحث في تواريخ هذه الخطب وأمكنتها.
٦ - جمع أجزاء الخطبة الواحدة في مكان واحد.
٧ - شرح الغريب.
٨ - استخراج الدروس والعبر المستفادة منها.
وفي الختام: أسأل الله أن ينفع بهذا العمل، وأن يتقبله بقبول حسن، وأن يجعله فاتحة لتأليف الموسوعة المشار إليها، والحمد لله رب العالمين.
عبد الحكيم الأنيس
دبي في ذي الحجة ١٤٢٩ هـ
...
_________
(١) قال السيوطي في الدر المنثور ٨/ ١٦٨: (أخرج ابن أبي الدنيا في شعب الإيمان، والديلمي عن الحسن البصري قال: طلبت خطب النبي ﷺ في الجمعة فأعيتني، فلزمت رجلًا من أصحاب النبي ﷺ فسألته عن ذلك فقال: كان يخطب فيقول في خطبته يوم الجمعة: يا أيها الناس: إن لكم علمًا فانتهوا إلى علمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، فإن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه، فليتزود المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشباب قبل الهرم، ومن الصحة قبل السقم، فإنكم خلقتم للآخرة، والدنيا خلقت لكم، والذي نفس محمد بيده: ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار، وأستغفر الله لي ولكم).
1 / 12
ترجمة المؤلف باختصار
ترجم للإمام الشيخ علي القاري كثيرون (١)، وكتبت عنه رسائل علمية متخصصة بالعربية وغيرها (٢)، لذلك سأكتفي هنا بنبذة عنه، ومن أراد التوسع فعليه بالرسالة المذكورة، أقول:
- هو العلامة المتفنن علي بن سلطان محمد (٣) الهروي المكي الحنفي، المشهور بالقاري (٤).
_________
(١) أورد الباحث محمد بن عبد الرحمن الشمّاع في بحثه (الملا علي القاري: فهرس مؤلفاته وما كتب عنه) المنشور في مجلة آفاق الثقافة والتراث، العدد الأول، ص ٩٣ - ٩٥ أربعًا وخمسين ترجمة له كتبها قدماء ومحدثون، وفاته أن يذكر ما كتبه:
- المحبي (ت: ١١١١ هـ) في خلاصة الأثر ٣/ ١٨٥.
- القادري (ت: ١١٨٧ هـ) في التقاط الدرر ص ٢٤٢.
- الآلوسي (ت: ١٣١٧ هـ) في جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ص ٤١.
- المراغي (ق ١٤ هـ) في الفتح المبين في طبقات الأصوليين ٣/ ٨٩.
- أبو غدة في مقدمة تحقيق (فتح باب العناية).
كما يضاف ما كتبه:
- أ. د. محمد الحبيب الهيلة في كتابه التاريخ والمؤرخون بمكة ص ٢٧٠.
- أصحاب (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط: التفسير وعلوم القرآن) ٢/ ٦٦٢ - ٦٦٦، وغيرهم من محققي كتبه.
ويستدرك على الشمّاع ما ذكره من ترجمة اللكنوي له في الفوائد البهية، وهذا غير صحيح، وإنما ترجم له في التعليقات السنية، وهو ما ذكره الباحث مفردًا.
(٢) منها: (الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث) كتبها الباحث خليل إبراهيم قوتلاي، وقد نوقشت بجامعة أم القرى سنة ١٤٠٦ هـ، وطبعت سنة ١٤٠٨ هـ، ولا شك أن معلومات وجهودًا ظهرت بعد هذا التاريخ.
(٣) اسم أبيه مركب، وقد جاء في عدد من المواضع: سلطان بن محمد، منها في عقود الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر ص ١١١ وهو خطأ قطعًا، وكنت تناولت هذا الخطأ في مقال بعنوان (ابن بين الزيادة والنقصان) نشر في جريدة العراق بتاريخ ٦/ ٧/ ١٩٨٧ م.
(٤) في معجم تفاسير القرآن الكريم ١/ ٧٠٥: الطائي. وهو تحريف طباعي.
1 / 13
- ولد في هراة سنة ٩٣٠ هـ تقريبًا (١) وبدأ بطلب العلم فيها، ثم رحل إلى مكة واستكمل فيها تحصيله، وأقام بها إلى حين وفاته يعلِّم، ويصنف، ويفتي، ويحيا حياة الكفاف (٢)، ويبتعد عن الأضواء (٣).
- أخذ عن عدد من علماء مكة، وأقدمهم وفاة ابن حجر الهيتمي (ت: ٩٧٣ هـ)، وآخرهم يوسف الأماسي (ت: ١٠٠٠ هـ)، وأخذ عنه كثيرون.
- كان له اهتمام بتحقيق المسائل العلمية، ومَنْ قرأ مقدمته لكتابه الكبير (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) (٤) أدرك هذا.
- وكان له مواقف من عدد من المسائل العلمية الخلافية أَدَّتْ ببعض العلماء إلى انتقاده، بينما رآها آخرون علامة على تميزه واجتهاده (٥).
_________
(١) هذا ما استنتجه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة من وفاة بعض شيوخه المكيين. انظر تقديمه لـ (شرح شرح نخبة الفكر) للمؤلف ص: ب. وأُرخ لولادته في دليل المطبوعات العربية في روسيا ص ١٧٥ بـ: ٩٦٨ هـ وهو خطأ قطعًا.
(٢) جاء في ترجمته في مقدمة المصنوع ص ١٠: (وذكر أنه كان يكتب كلَّ عام مصحفًا بخطه الجميل، وعليه طرر من القراءات والتفسير، فيبيعه ويكفيه قوته من العام إلى العام).
وبمناسبة هذا الخبر أقول: جاء في طبعة للقرآن الكريم في اصطنبول قامت بها (بايتان كتاب آوي) سنة ١٣٩٤ هـ قول طابعيه ص ٦١٣ منه: (وموافقًا لخط علي القاري).
(٣) اقرأ -إن شئت- كتابه: (تبعيد العلماء عن تقريب الأمراء) وقد أخرجه إخراجًا مؤسفًا الدكتور محمد علي المرصفي في عالم الكتب - القاهرة (١٩٩٠ م).
(٤) انظر ١/ ٢ - ٣ وهذا الكتاب أكبر كتبه وأجلها كما قال المحبي في خلاصة الأثر ٣/ ١٨٥.
(٥) انظر خلاصة الأثر ٣/ ١٨٥، وما قاله الشوكاني في البدر الطالع ص ٤٤٩، وقد نقله القنوجي في التاج المكلل ص ٤٠٦، وللاستزادة انظر عقود الجوهر ١/ ٢٦٤ - ٢٦٦ والإمام علي القاري ص ٩٦ - ١١٤.
1 / 14
- اعتنى بالتأليف وترك بعده ثروة علمية كبيرة وقفها وشرط ألا يمنع من استنساخها، وقد تفاوت عددها لدى المترجمين:
فقد ذكر له الحاج خليفة (٣٣) كتابًا (١)، وذكر البغدادي (١٠٥) كتاب (٢)، وذكر جميل العظم (١٢٨) كتاب (٣)، وذكر بروكلمان (١٧٠) (٤)، وعدَّ الصباغ (١٢٥) كتاب (٥)، وقوتلاي (١٤٨) كتاب (٦)، وأوصلها الشماع إلى (٢٦٣) (٧).
والواقع أن مؤلفات القاري ما زالت بحاجة إلى إفرادها بالجمع والبحث والدراسة المتأنية المتعمقة، وتحقيق عناوينها ونسبتها، والاطلاع عليها قدر الإمكان، وقد تيسر الوصول إلى الكثير منها، ذلك أن تكرارًا كثيرًا حصل في بعض القوائم كقائمة الشماع فقد تكرر عنده الكثير، واستوقفني ثلاثون كتابًا مكررًا.
_________
(١) ينظر كشف الظنون في مواضع كثيرة.
(٢) انظر: هدية العارفين ١/ ٧٥١ - ٧٥٣.
(٣) انظر: عقود الجوهر ١/ ٢٦٦ - ٢٧٣.
(٤) انظر: تاريخ الأدب العربي: العصر العثماني ق ٩/ ٨٦ - ١٠١.
(٥) انظر: مقدمة تحقيق (الأسرار المرفوعة) ص ٢٣ - ٣٢.
(٦) انظر: الإمام علي القاري ص ١١٥ - ١٦٦، وهذا غير ما انفرد بذكره بروكلمان، أو رجح الباحث أنه أجزاء من كتب. فإذا أضفنا هذه أصبح العدد (١٦٦).
(٧) الملا علي القاري. البحث السابق ص ٦٤ - ٩٣.
1 / 15
ولعل الباحثين الأخيرين يتابعان جهودهما في هذا المجال، ويقدمان لنا دراسة جامعة مستوعبة، يُعَرَّف فيها بهذه الكتب تعريفًا كاملًا. وقد طبع منها الكثير، وما من مكتبة تخلو منها مطبوعة ومخطوطة.
- تلقى العلماء مؤلفات القاري (١) بالقبول، وحظي هو وهي بالثناء، وأكتفي هنا بذكر الأقوال الآتية:
قال المحبي عنه: (أحد صدور العلم، فرد عصره، الباهر السمت في التحقيق، وتنقيح العبارات، وشهرته كافية عن الإطراء في وصفه .... اشتهر ذكره وطار صيته، وألف التآليف الكثيرة اللطيفة التأدية، المحتوية على الفوائد الجليلة) (٢).
وقال اللكنوي بعد أن ذكر له مجموعة من الكتب وأنه طالعها كلها: (وغير ذلك من رسائل لا تعد ولا تحصى، وكلها مفيدة بلَّغته إلى مرتبة المجددية على رأس الألف) (٣).
لكن ليته ﵀ لم يقيد نفسه بالسجع، وترك قلمه على سجيته،
_________
(١) للتدليل على اشتهار مؤلفاته أذكر هنا أن الباحث المحقق السيد محمد فاتح قايا أحصى (٢٧) نسخة لرسالته (رسالة في بيان إفراد الصلاة عن السلام هل يكره أم لا) المطبوعة ضمن المجموعة العاشرة من (لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام) ١٤٢٩ هـ وقد اعتمد الباحث المذكور على (١٣) نسخة منها.
(٢) خلاصة الأثر ٣/ ١٨٥.
(٣) التعليقات السنية ص ٩ وفيها: بلغت. وفي قوله: (لا تعد ولا تحصى) مبالغة ظاهرة!
1 / 16
فإنَّ ذلك يكون أجمل في أسلوبه وأفضل، وقد يقوده السجع إلى محذور، انظر إلى قوله في مقدمة مرقاة المفاتيح وهو يذكر سندًا عاليًا حصل عليه في رواية مشكاة المصابيح قال: (وهذا أعلى ما يوجد من السند المعتمد، في هذا الزمان المكدر المنكد) (١) فالمقصود ينتهي عند قوله: في هذا الزمان، وليس السياق سياق شكوى منه.
- حظي بعض كتبه بشروح متعددة ككتابه (الحزب الأعظم والورد الأفخم) (٢).
- طبع له في قزان وقصبة مياس بروسيا ثمانية كتب هي: تزيين العبارة، والحزب الأعظم، ورسالة في الخضر، وشرح عين العلم، وشرح الفقه الأكبر، وشرح مختصر الوقاية (فتح باب العناية)، وشرح مسند الإمام الأعظم، والمنح الفكرية. طبعت ما بين ١٨٤٥ - ١٩١١ م، وطبع الحزب الأعظم إحدى عشرة طبعة (٣).
- توفي ﵀ في شوال سنة ١٠١٤ هـ (٤)، ودفن بالمعلاة، ولما بلغ
_________
(١) مرقاة المفاتيح ١/ ٣ وفيه (على)، فصححتها.
(٢) انظر: جامع الشروح والحواشي ٢/ ٩٣٩ - ٩٤٠.
(٣) انظر: دليل المطبوعات العربية في روسيا من ١٧٨٧ إلى ١٩١٧ م ص ١٧٠ - ١٧٥ و٢٨٨.
(٤) جاء في دليل المطبوعات العربية في روسيا ص ١٧٠ أنه توفي سنة ١٠٢٣ هـ، وهو مخالف لما ذكره المؤلف نفسه في سائر المواضع!
1 / 17
خبر وفاته علماء مصر صلوا عليه بجامع الأزهر صلاة الغيبة في مجمع حافل يجمع أربعة آلاف نسمة فأكثر (١).
* * *
_________
(١) خلاصة الأثر ٣/ ١٨٦.
1 / 18
هذه الرسالة
١ - موضوعها:
موضوع هذه الرسالة خطب مأثورة عن النبي ﷺ، والخلفاء الراشدين (١)، أراد منها المؤلف مساعدة أحد الأئمة والخطباء على تحقيق شرط واقف شرط ألا يخطب في مسجده بغير خطب السلف.
٢ - نسخها:
وقفت على أربع نسخ:
الأولى: ضمن مجموع في المكتبة السليمانية باصطنبول برقم (١٠٦٨) وهي بين (٣٧ أ- ٥٥ ب) بالترقيم الجديد، وفي كل صفحة (١٨) سطرًا، والمجموع يحتوي على أعمال الشيخ العلامة محمد بن محمود الطربزوني (ت: ١٢٠٠ هـ) (٢) من نسخ وتعليق وتحشية وتأليف، وهذه النسخة بخط جيد جميل، وعليها حواش بخط الطربزوني، وهي فوائد متعددة، منها خطب نقلها من (جمع الجوامع) للسيوطي، وغيره، وبعض هذه الخطب موجود في الكتاب! ورمز هذه النسخة (س).
الثانية: ضمن مجموع في مجموعة حسن حسني باشا برقم (٦٠٤) في السليمانية أيضًا، وهي بين (٩٤ أ - ١٠٥ ب)، وفي كل صفحة (٢١) سطرًا،
_________
(١) قال عنها الشماع في بحثه المذكور سابقًا ص ٦٩: (جملة من خطب المصطفى ﷺ وأصحابه الكرام) والصواب التقييد بالخلفاء الراشدين.
(٢) له ترجمة في هدية العارفين ٢/ ٣٤٥. وكان مدرسًا بجامع السليمانية وحافظًا للكتب.
1 / 19
وهذه النسخة كتبها أحمد بن عبد الرحمن المرعشي في مدرسة السلطان محمد
خان باصطنبول في ليلة الجمعة في شهر شوال سنة ١١٨٠ هـ.
وهي تشبه الأولى في نصها، وفي سقوط جمل منها.
ورمز هذه النسخة (ح) (١).
الثالثة: ضمن مجموع في مكتبة عارف حكمت في المدينة المنورة برقم (١٧/ ٨٠)، يحوي ١٩ رسالة كلها للقاري -عدا واحدة-، وتأتي هذه الرسالة برقم (٤)، وتقع في (٦) أوراق، في كل صفحة (٢٩) سطرًا، وهي منقولة من نسخة نقلت من خط المؤلف. وقد رقم الناسخ الأحاديث، فوصل إلى (٣٠) وفاته ترقيم حديثين. ورمزها (ع).
الرابعة: ضمن مجموع في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد برقم (١٣٧٣٢)، يحوي (١١) رسالة، كلها للقاري -عدا رسالتين-، وتأتي برقم (٥)، وتقع في (٧) أوراق، في كل صفحة (٢٩) سطرًا. وهي كثيرة الأخطاء، ورمزها (أ).
والغريب أنَّ كلا هاتين النسختين ناقص، فقد جاء في آخر النسخة المدنية، في أثناء خطبة لأبي بكرٍ هي هنا برقم (٣٣): (كذا وجدنا بخط المؤلف، والباقي ضائع) وكتب بجانب هذا: (بلغ من نسخة كتبت من نسخة المؤلف وقوبلت منها [كذا والصواب: بها] والحمد لله على ذلك، ٢١ شوال ١١٥٢ هـ).
_________
(١) وهنا لا بد لي أن أسجل عظيم شكري وامتناني للأخ الكريم المحقق الفاضل الأستاذ محمد فاتح قايا، لتكرمه بتصوير هاتين النسختين وإرسالهما إلي. أحسن الله جزاءه.
1 / 20
وتنقطع النسخة البغدادية في أول الخطبة الثالثة من خطب علي، وهي هنا برقم (٥٨)، وقد ترك الناسخ صفحة فارغة كأنه يأمل الحصول على نسخة كاملة يتمم بها النسخة (١)، وبعد الصفحة تأتي رسالة بعنوان: (رسالة من كلام الصوفية في تهذيب الأخلاق ومعرفة الخلاق).
وقد ذكرها بروكلمان وقال: (يوجد [أي باعتباره كتابًا] في برلين ٣٩٤٥، مانشتسر ٧٨٧، ويوجد مع شرح له في السليمانية ٤٨٨) (٢).
أقول: إن كان يقصد النسخة التي ذكرتها أولًا -وهي برقم (١٠٦٨) - فالصحيح أن هذه الحواشي -كما قدمت قريبًا- ليست بشرح، ولا علاقة لها بالرسالة، إلا زيادة بعض الخطب المنقولة من جمع الجوامع وغيره.
٣ - عنوانها:
لم يذكر المؤلف عنوانًا لها في مقدمته، لكن جاء في أول نسختي السليمانية، والنسخة البغدادية: موعظة الحبيب وتحفة الخطيب، وجاء في أول النسخة المدنية، وعلى غلاف المجموع: (تحفة الخطيب وموعظة الحبيب)، وهو ما جاء في عقود الجوهر (٣).
_________
(١) جاء في وصف النسخة في فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد ٢/ ٥١٣: (مخرومة الآخر). أقول: إن ترك الناسخ صفحة فارغة يدل على أن الخرم من الأصل الذي نقل منه.
(٢) تاريخ الأدب العربي ق ٩/ ٩٤ وجاء عند الشماع ص ٦٩: سليمانية ١٠٦٨.
(٣) ١/ ٢٦٨.
1 / 21
وجاء في هدية العارفين: (تحفة الحبيب في موعظة الخطيب) وهي عكس التسميتين، مع العطف بـ: في، ولو كان العنوان (تحفة الخطيب في موعظة الحبيب) لكان له وجه، وأما هكذا فلا، وقد أَثْبَتُّ عنوان النسخة س وما وافقها. ولعل المؤلف سماها أولًا: تحفة الخطيب وموعظة الحبيب، ثم بدا له فقدَّم الجملة الثانية إذ حقها التقديم لإشارتها إلى النبي ﷺ.
٤ - تاريخ التأليف:
جاء في آخر نسختي السليمانية: حرره مؤلفه رُحِمَ وسلفُهُ يوم الخميس عشري شوال، ختم بالخير والإقبال، من شهور عام حادي عشر بعد الألف من الهجرة النبوية من مكة الأمينة إلى المدينة المسكينة). أي قبل وفاته بثلاث سنوات.
٥ - مصادرها:
ظهر لي أن المؤلف عول على كتاب شيخه كنز العمال، واستخرج منه -بالدرجة الأولى- مادة رسالته هذه، وسيأتي جدول بالأحاديث المأخوذة منه.
ورجع إلى تفسير القرطبي، وآداب النفوس للطبري، وفتح القدير لابن الهمام، وذكر حديثًا لعله من الأربعين النووية، وهو حديث العرباض بن سارية برقم (٢١).
ولا يقلل هذا من أهمية الرسالة، فإن وصول المؤلف إلى مادتها من كنز العمال، واستخراجها وإفرادها يعد جهدًا علميًّا مشكورًا. ولكن ليته صرح
1 / 22
بهذا في مقدمته. ولعل المؤلف لم يكن متفرغًا وقت التأليف، ولهذا لم يستوعب الوارد في ذلك ولم يستقص، ولم يبوبها ولم يبين خطب الجمعة من خطب المناسبات.
والمصادر المنقول عنها بواسطة كنز العمال هي -وأذكرها حسب وفيات مؤلفيها-:
- الموطأ لمالك (ت: ١٧٩ هـ).
- الزهد لابن المبارك (ت: ١٨١ هـ).
- المصنف لابن أبي شيبة (ت: ٢٣٥ هـ).
- المسند لأحمد (ت: ٢٤١ هـ).
- الزهد لهناد (ت: ٢٤٣ هـ).
- العدني (ت: ٢٤٣ هـ)، ولعل المراد: مسنده.
- الأدب المفرد للبخاري (ت: ٢٥٦ هـ).
- الصحيح لمسلم (ت: ٢٦١ هـ).
- السنن لأبي داود (ت: ٢٧٥ هـ).
- السنن لابن ماجه (ت: ٢٧٥ هـ).
- الحذر لابن أبي الدنيا (ت: ٢٨١ هـ)، وثم موضع لم يذكر فيه اسم كتاب.
1 / 23
- السنن للنسائي (ت: ٣٠٣ هـ).
- تهذيب الآثار للطبري (ت: ٣١٠ هـ).
- مكارم الأخلاق للخرائطي (ت: ٣٢٧ هـ).
- المجالسة للدينوري (ت: ٣٣٣ هـ).
- الصحيح لابن حبان (ت: ٣٥٤ هـ).
- المعجم الكبير للطبراني (ت: ٣٦٠ هـ).
- المعجم الأوسط، له.
- المواعظ للعسكري (ت: ٣٨٢ هـ).
- المستدرك للحاكم (ت: ٤٠٥ هـ).
- ابن مردويه (ت: ٤١٠ هـ)، ولعل النقل من تفسيره.
- حلية الأولياء لأبي نعيم (ت: ٤٣٠ هـ).
- السنن الكبرى للبيهقي (ت: ٤٥٨ هـ).
- شعب الإيمان، له.
- الفردوس للديلمي (ت: ٥٠٩ هـ).
- تاريخ دمشق لابن عساكر (ت: ٥٧١ هـ).
- تاريخ بغداد لابن النجار (ت: ٦٤٣ هـ).
- تفسير ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ).
1 / 24
وهذا الجدول المشار إليه:
رقم الحديث - موضعه في الكنز - رقم الحديث - موضعه في الكنز - رقم الحديث - موضعه في الكنز
[جدول]
_________
(١) هذا والذي بعده عزاهما المؤلف الشيخ علي القاري إلى آداب النفوس للطبري، وهما في كنز العمال ٣/ ٦٩٩ و٣/ ٤٢١ معزوين إلى ابن النجار، والطبراني (على الترتيب).
(٢) يأتي هنا في الكنز كتاب المواعظ والرقائق والخطب والحكم من قسم الأفعال، فصل في جامع المواعظ والخطب ١٦/ ١٢٤ - ٢١٤ وقد ذكر خطب النبي ﷺ ومواعظه ١٦/ ١٢٤ - ١٤٥، وخطب أبي بكر ومواعظه ١٤٦ - ١٥٢، وخطب عمر ومواعظه ١٥٢ - ١٦٧، وخطب علي ومواعظه ١٦٧ - ٢١٣، ثم عقد فصلًا لمواعظ متفرقة لأشخاص متفرقين ٢١٤ - ٢٢٣، وينتهي كتاب المواعظ ص ٢٧٠.
1 / 25
٦ - منهج التحقيق:
- قابلت نسخ الرسالة التي وقفت عليها، بعضها ببعض، وأثبت جميع أخطائها وفروقها، ثم أعرضت عن قسم من ذلك لكيلا أرهق القارئ بتعليقات تشتت تركيزه، ولا تنفعه. وأثبت الصواب في المتن، ورقمت الأحاديث. واجتهدت أن أقدم نصًّا محررًا.
- رجعت إلى كنز العمال، وإلى مصادر التخريج الموجودة، وعزوت النصوص المنقولة منها، بعد مقابلتها بأصولها، واستدركت ما أسقطه المؤلف، أو سها في نقله، وزدت عليه تخريجًا وحكمًا، وميزت ما شرحه هو مما ورد في الرواية، ولحظت أنه لا يزيد على تخريج كنز العمال بل قد ينقص، ولالتزامه به تفوته طرق أخرى قد يكون منها ما هو أفضل مما ساقه.
- علقت على الرسالة تعليقات أحسبها نافعة ولم أطل، ومن هذه التعليقات بيان بعض مأخذ الصحابة في خطبهم من كلام النبي ﷺ. وهذا موضوع جدير بالدراسة والتتبع والإِفراد، وأردت هنا أن ألفت النظر إلى ذلك، ليس غير. ومنها شرح بعض الغريب والجمل. ومنها بيان تحريفات وأسقاط في المصادر.
- قدمت بين يدي الرسالة ثلاث مقدمات هي: ترجمة المؤلف باختصار، مع إضافة فوائد جديدة، والحديث عنها -كما ترى-، والكتب المؤلفة في الخطب النبوية، والدراسات الحديثة التي قامت على خطبه ﷺ.
***
1 / 26