إن كلا من التصور والتصديق بعضه ضروري بالوجدان فإن كل عاقل يجد من نفسه أن بعض تصوراته وكذا بعض تصديقاته حاصل له بلا قدرة منه ولا نظر فيه وإذ لولاه أي لولا أن بعضا من كل منهما ضروري لزم الدور أو التسلسل إذ حينئذ يكون كل واحد من التصور وكذا كل واحد من التصديق نظريا فإذا حاولنا تحصيل شيء منهما كان ذلك التحصيل مستندا إلى تصور أو تصديق آخر هو أيضا نظري مستند إلى غيره من التصورات أو التصديقات فإما أن يدور الاستناد في مرتبة من المراتب أو يتسلسل إلى ما لا يتناهى وهما يمنعان الاكتساب لأنهما باطلان ممتنعان كما سيأتي فما يتوقف عليهما كان باطلا ممتنعا وحينئذ يلزم أن لا يكون شيء من التصور والتصديق حاصلا لنا وهو باطل قطعا لا يقال إذا فرض أن الكل نظري فهذا الذي ذكرته من لزوم الدور أو التسلسل وكونهما مانعين من الاكتساب ومفضيين إلى أن لا يكون شيء من الإدراكات حاصلا لنا أيضا نظري على ذلك التقدير وحينئذ يمتنع إثباته لأن إثباته إنما يكون بنظري آخر فيلزم الدور أو التسلسل لما ذكرتم بعينه والحاصل أن دليلكم على بطلان كون الكل نظريا ليس يتم بجميع مقدماته لأن كونه تاما كذلك يستلزم المحال المذكور ولأنا نقول ما ذكرنا في دليلنا من التصورات والتصديقات نظري وغير معلوم على ذلك التقدير لا في نفس الأمر بل هو معلوم لنا في نفس الأمر فيبطل ذلك التقدير لاستلزامه خلاف الواقع أعني كون تلك القضايا معلومة في نفس الأمر والحق أن هذا الدليل الذي ذكرناه حجة قائمة على من اعترف بالمعلومات أي اعترف بأن تلك القضايا المذكورة في الدليل معلومة في نفس الأمر وزعم أنها كسبية على ذلك التقدير ولا تكون معلومة عليه فكيف يجوز التمسك بها في إبطاله إذ حينئذ يجاب بأن الاستدلال بها يتوقف على معلومية صدقها وهي في الواقع واقعة فإن جامعها ذلك التقدير فلا كلام وإن لم يجامعها كان ذلك التقدير غير واقع في نفس الأمر وهو المطلوب لا على من يجحدها مطلقا أي يجحد معلومية تلك القضايا على ذلك التقدير وفي نفس الأمر أيضا فإن هذه الحجة لا تقوم عليه قطعا لأن كل ما يورد في إثبات معلومية صدق مقدماتها يتجه عليه منع المعلومية إذلم يثبت بعد ضروري لا يقبل المنع وقد يقال أراد أن ما ذكرناه في امتناع كسبية الكل إنما يقوم حجة على من اعترف بأن لنا معلومات تصورية وتصديقية إلا أنها بأسرها كسبية وذلك لأنا إذا أثبتنا حينئذ أن الكل من كل منهما ليس كسبيا لزم أن يكون بعض كل منهما ضروريا وأما من يجحد المعلومات ولا يعتر ف بشيء منها فله أن يقول امتناع كسبية الكل لا يستلزم ضرورية البعض لجواز امتناع الحصول وقد مر نظيره في الاستدلال الثاني على أن تصور العلم ضروري وبعضه نظري بالضرورة الوجدانية أيضا فإن كل عاقل يجد من نفسه احتياجه في تصور حقيقة الروح والملك والتصديق بأن العلم حادث إلى نظر وكسب
المقصد الرابع
صفحه ۶۵