فإن قال : فما إكذابك لمن زعم أنه لم يزل متحركا في الأزل ؟.
فقل : لا يجوز ذلك، لأنا لا نعقل متحركا يتحرك إلا بحركة، أو يكون محركا في الأزل، فيكون معه قديم آخر، فتفسد الوحدانية، ولا يصلح أن يكون أحدهما ربا خالقا دون صاحبه (¬1) .
[ باب في مسألة الإنسان ]
إن سأل سائل عن العلم بأنك إنسان أهو العلم بأنك مخلوق (¬2) ؟.
فقل : العلم بأني مخلوق كسب، والعلم بأني إنسان ضرورة، فهذا فرق ما بين العلمين (¬3) .
فإن قال : ما تقول فيمن قال : إن العلم بأني إنسان هو العلم بأني مخلوق (¬4) ؟.
قيل له : فقد أثبت كون الاضطرار هو الاكتساب.
فإن قال : ما تقول فيمن قال : إنما أعلم بأني إنسان لأني مخلوق ؟.
¬__________
(¬1) - أراد بقوله : لا نعقل متحركا إلا بحركة ، أي إلا أن يفعل حركة ويكتسبها ويريدها، أو يكون غيره هو الذي يحركه . فكلا المعنيين عن الله - عز وجل - غير جائزتين ، فبطلت الحركة والسكون عن الله - عز وجل - لما شرح في هذه المعاني لأنهما من صفات الجسم الذي لا ينفك منهما .
(¬2) - قد أجابه بأن العلم باقي، مخلوق، كسبي ، والعلم بأني إنسان ضرورة . وذلك أن العلم بأنه إنسان علم بالضرورة، لا يمتنع من ذلك سواء في أن يعلم نفسه بأنه إنسان وأن يعلم غيره أنه إنسان ، فكل ذلك علم بالضرورة . ولا يمتنع أحد من معرفته ، يعلم ذلك من= نفسه بالذي يجده فيها من المعرفة بذلك . وقوله : فهذا فرق ما بين العلمين ، يريد أن أحدهما كسب والآخر ضرورة .
(¬3) - أنظر المسألة قبلها .
(¬4) - يقال له في هذا : قد أثبت أن كل مخلوق إنسان ، ولو قال : إنما أعلم أني مخلوق لأني إنسان ، فقد أبطل أن يكون غير الإنسان مخلوقا .فكلتا العلتين فاسدتان ، وكذلك لو قال : إنما صار المحدث محدثا لعلة أنه جسم فقد أبطل أن يكون غير الجسم محدثا .
صفحه ۱۹