[ مقدمة المؤلف]
يقول الفقير إلى عفو الله ومغفرته الحسين بن الناصر بن عبد الحفيظ بن عبد الله بن المهلا عفا الله عنه وعنهم آمين: لما من الله علينا وعلى المسلمين بخليفة الحق، وقائم الصدق أمير المؤمنين، وخليفة النبي الأمين، المحيي لسيرة النبي الأمين، ووصيه أمير المؤمنين، ومن حذى حذوهما من الأئمة الهادين صلى الله عليه وعليهم أجمعين حتى جدد الله به على رأس هذا القرن الحادي عشر، دين سيد المرسلين، وجعل أمام هذا التجديد ما حدث من الحوادث في اليمن الميمون التي جرت سنته بحدوث مثلها أمام تجديد المجددين منذ آدم الصفي إلى زمن الحبيب الذي اصطفاه على الأولين والآخرين وإلى يومنا هذا فيمن خلفه من أئمة العترة الراشدين، ليحقق الله له ما وعد أولياءه المتقين من الفتح المبين إثر ما يقع من فساد المفسدين وأعداء الدين المتين، وليعلم من تبعه من المؤمنين، تخصيصه بتجديد ذي القوة المتين، من بين أكابر العصر الذين لهم الفضائل في العالمين، وليكون له -إن شاء الله- ما أعده الله لأمثاله من الأئمة المجددين منذ سيد الوصيين وقائد الغر المحجلين إلى هذا الحين الإمام الأعظم الأواه المجاهد في سبيل الله، من لا يعلم في الأرض خليفة حق إلا إياه، المؤيد بالله أمير المؤمنين محمد بن أمير المؤمنين المتوكل على الله العزيز الرحيم أيده الله للمسلمين، وحفظه بذكره الحكيم.
وعلمت رغبته في إحياء السيرة النبوية والعلوية والحمل عليهما، ورفع المظالم وإزالة المفاسد والمآثم وتفقد ما حدث في المسلمين بواسطة العمال مما ليس من الشريعة في شيء لمصادمته نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله الهداة.
صفحه ۳۶
وكنت وعدته عليه السلام إرسال مؤلفي الذي حملني على تأليفه نصح من اطلع عليه، والشفقة على عباد الله، ومعاونة أئمة الهدى -خصوصا هذا الإمام الأعظم أيده الله- عملا بحديث ((إنما الدين النصيحة...))إلخ، فبعثت إلى حضرته عليه السلام بهذه النسخة ألتمس دعاه الصالح فأقول[1ب]:
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين:
أحمدك اللهم على ما مننت به من النعم الغضيرة، وهديتنا إليه من سبل مراضيك المنيرة، وعرفتنا به من علوم كتابك وسنة نبيك النضيرة، وعلمتنا إياه من علوم الاجتهاد التي سرنا بها في رياض علوم أئمتنا الهداة أحسن سيرة، وأشهد أنك الله الذي أمرت بالعدل والإحسان في آياتك الشريفة الشهيرة، ونهيت عن الفحشاء والمنكر فالعيون بالنهي عنهما قريرة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هدانا إلى الإيمان، وجاء بمعجزات القرآن وأمرنا باتباعه في الإقدام والإحجام، وبين بما جاء به من السنة النبوية سبل الحلال والحرام؛ فنحن بهديه مهتدون، وبآثاره وآثار عترته الأكرمين مقتدون، وفي مناهج علومه وعلومهم الشريفة سائرون، صلى الله عليه وآله وسلم الذين خصوا بكل فضيلة، وأوتوا كل منقبة جميلة، وتنزهوا عن كل رذيلة، وسبقوا إلى كل خلة جليلة؛ فمن طور سيناء علومهم توجد تلك الأنوار، وفي واديهم المقدس وبقعتهم المباركة تطهر تلك الأسرار. وبعد:
صفحه ۳۷
فطالما عول علي جماعة من فضلاء الزمان، وأرباب العدل والإحسان، وحلفاء السنة والقرآن، لما رأوا من جهلة العمال الذين خلطوا الحرام بالحلال، وتهوروا في انتهاك الأعراض والنفوس والأموال، ولم يبالوا في جمع الأموال أجمعوها من حرام أو حلال، وكلما زجرهم أرباب العلم والعمل عن تلك الأعمال، وعما ارتطموا فيه من سيئات الأعمال، رأوا النهي عن المنكر منكرا ونسبوا ذلك إلى الأئمة الهادين في الورى، وادعوه عادة لهم قديمة الزمان، وطريقة منسوبة إلى أولئك الأعيان، وهم في هذه الدعوى كاذبون، وفي نسبة ما لا يحل إلى الأئمة مبطلون؛ وكيف ينسب إلى أئمة الدين وخلفاء النبي الأمين الرضاء بتحليل الحرام، والارتطام في تلك الآثام وهم شموس الهداية المشرقة وسحابة الفضائل المغدقة ورياض المكارم المورقة قد ائتمنهم الله على بريته وارتضاهم لحفظ خليقته، واسترعاهم على أهل ملته.
في إنشاء مطمح الآمال الموقظ لجهلة العمال من سنة الضلال على نهج (بهجة الجمال) للعلامة ابن بهران رحمه الله خلا أنه رحمه الله لم يستوعب أحوال أئمة العترة ولم يأت (بشيء) مما زدناه في مؤلفنا هذا من أمور تحدد سير الأنبياء [2أ] والمرسلين، ويحيي ما كان عليه قدماء الأئمة الهادين من عترة النبي الأمين، ونجمل من حفظ ما أودعناه فيه على الاقتداء بهم واجتناب ما ليس من سيرتهم من مفاسد طالما أنسها العمال واسترسل فيها الجهال، حتى حسبوها من الشريعة، وظنوا تحتمها عليهم لما رأوا من سكوت أرباب النهي والأمر عن التنكير لخفاء الأمر عليهم في ذلك لجوازه عندهم، ولما أهمله العلماء من إيقاظهم إلا من بين منهم الحق ولم يكتمه وهم قليل، والله حسبنا ونعم الوكيل.
صفحه ۳۸
فهاك كتابا جامعا لأشرف المقاصد وسفرا ينهل (وارديه) أعذب الموارد، مبينا فيه ما كان عليه سيد النبيين، وأخوه سيد الوصيين وذريتهما الذين خصوا بإحياء علوم الدين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين وهذا أوان الشروع في المقصود فنقول:
صفحه ۳۹
الباب الأول [(1) النبي الأعظم محمد بن عبد الله (ص)]
( 53 ق ه - 11ه / 571 - 633 م)
في ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله [وسلم ] وما كان عليه من العلم والحلم والصبر والعدل والشكر والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة.
صفحه ۴۰
[خلقه ورجاحة عقله (ص)]
وأصل ذلك حسن الخلق قال تعالى: ?وإنك لعلى خلق عظيم?[ن:4] وموهبة العقل الذي يحمل صاحبه على جمع الفضائل واجتناب الرذائل، وبه شرف النوع الإنساني على سائر الحيوانات، وبتفاوته تفاوت درجات الرجال في الكمالات، وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه [وآله ] وسلم منه ما لم يؤته غيره.
عن وهب بن منبه: قرأت في أحدى وتسعين كتابا فوجدت في جميعها أن الله لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه [وآله ] وسلم إلا كحبة رمل بين رمال الدنيا، والأخلاق الحميدة غريزية ومكتسبة؛ وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم مجبولا عليها في أول فطرته.
صفحه ۴۱
[علمه (ص)]
(أما علمه) صلى الله عليه وآله وسلم فالله سبحانه يقول: ?وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما?[النساء:113] وانظر إلى ما حوته شريعته من الأصول والفروع ودقائق الأحكام وأسرار المعاني التي خص بمعرفتها العارفون، واستنبط منها ما لا يحصى من العلوم أولياؤه المجتهدون؛ فلا يأتي عصر من (الأعصار) إلا وظهرت لأرباب العلم والعمل أسرار تلك الآيات والأخبار.
صفحه ۴۲
[حلمه واحتماله (ص)]
(وأما حلمه واحتماله) وعفوه مع المقدرة والصبر على ما يكره، فقد تلقاها صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه بالقبول وبلغ منها غاية السؤل. قال تعالى: ?خذ العفو وأمر[2ب] بالعرف وأعرض عن الجاهلين?[الأعراف:199] ولما سأل جبريل عن تأويلها ذهب فأتاه وقال: ((إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك))، وقال تعالى: ?واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور?[لقمان:17]، وقال: ?فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل?[الأحقاف:35].
صفحه ۴۳
[كرمه وجوده وشجاعته(ص)]
وأما جوده صلى الله عليه وآله وسلم فأشهر من أن يذكر وأعظم من أن يروى ويسطر وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) كما أخرجه أئمتنا وابن سعد والبخاري في (الأدب) والحاكم والبيهقي في (الشعب) من حديث أبي هريرة.
(وأما شجاعته) فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ((كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ))
صفحه ۴۴
[حياؤه وإغضاؤه وشمائله صلى الله عليه وآله وسلم ]
وأما حياؤه وإغضاؤه وشمائله فكان أشد الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء، قال تعالى: ?ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك?[آل عمران:159]، وقال تعالى: ?ادفع بالتي هي أحسن...?الآية[فصلت:34]، وكان يتفقد أصحابه فمن خاف أن يكون وجد في نفسه شيئا قال: ((لعل فلانا وجد علينا في شيء، أو رأى منا تقصيرا، اذهبوا بنا إليه)) فينطلق إلى منزله؛ وكان يكرم الداخل إليه، وربما بسط ثوبه وآثره بالوسادة؛ وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف في صلاته وسأله عن حاجته - عند أئمتنا وأحمد والشيخين وابن ماجة عن أنس.
وكان أشفق الناس بأمته وأرأفهم وأرحمهم قال تعالى: ?لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم?[التوبة:128] ومن شفقته صلى الله عليه وآله وسلم تألفه لجفاة الأعراب حتى كان سبب إسلامهم.
قال صفوان: والله لقد أعطاني ما أعطاني وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطني حتى أنه لأحب الخلق إلي.
وأعطى أعرابيا ثم قال له: ((أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: لا ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا، فزاده شيئا ثم قال له: أحسنت إليك؟.
صفحه ۴۵
قال: نعم فجزاك الله خيرا من أهل وعشيرة، وأمره أن يخبرهم بذلك فأخبرهم، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لهم: مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها: خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حين قال الرجل ما قال قتلتموه حتى دخل النار)) وحسبك في تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم أنه خير بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا، فاختار أن يكون[3أ] نبيا عبدا.
وقال له إسرافيل: ((إن الله قد أعطاك بما تواضعت له، إنك سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع)) .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجيب من دعاه- وإن كان دنيا: ب (لبيك) ويعود المساكين ويسلم على الصبيان إذا مر عليهم، ويجالس الفقراء، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيث ما انتهى به المجلس، يذبح أضحيته وبدنه، ويعلف ناضحة، ويأكل مع الخدم، ويعجن معهم، ويحمل بضاعته من السوق.
ودخل عليه صلى الله عليه وآله وسلم رجل فارتعد من هيبته فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)).
ودخل صلى الله عليه وآله وسلم (مكة) يوم الفتح مطأطئا رأسه حتى كاد يمس قادمته، وذلك حين عجب النفوس، وحج في حجة الوداع على رحل رث، عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم وقال: ((اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة)) أخرجه ابن ماجة عن أنس، وأهدى فيها مائة بدنة.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله)).
صفحه ۴۶
[عدله وأمانته وعفته وصدقه صلى الله عليه وآله وسلم ]
وأما عدله صلى الله عليه وآله وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته
فكان صلى الله عليه وآله وسلم أعدل الناس وآمنهم وأعفهم وأصدقهم لهجة منذ كان؛ وكيف لا يكون كذلك وهو أكرم الخلق على الله الذي أنزل عليه كتابه الكريم، وحثه فيه على كل خلق عظيم، وأمره بالعدل في ذكره الحكيم.
قال تعالى: ?الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور?[الحج:41]، وقال تعالى: ?فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين?[آل عمران:159].
وكان صلى الله عليه وآله وسلم أوقر الناس في مجلسه، لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه.
مجلسه مجلس حلم وحياء وخير وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم أزهد الناس في الدنيا، فتحت عليه الفتوح، وجبيت إليه الأموال، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله وهو يدعو ويقول: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا)).
صفحه ۴۷
وعن عائشة: لم يمتلئ جوف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شبعا قط، ولم يبث شكوى إلى أحد، وكانت الفاقة أحب إليه من الغنى، وإن كان ليصلي جائعا يلتوى ليلته من الجوع فلا يمنعه صيام يومه، ولو يشاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها، ولقد كنت أبكي له رحمة مما أرى به، وأمسح بيدي على بطنه[3ب] مما به من الجوع وأقول: نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بما يقوتك فيقول: ((يا عائشة، مالي وللدنيا، إخواني أولوا العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فأكرم مآبهم، وأجزل ثوابهم، وأجدني أستحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي غدا دونهم، وما من شيء هو أحب إلي من اللحوق بإخواني وأخلائي)).
قالت: فما أقام بعد إلا شهرا حتى توفي صلى الله عليه وآله وسلم وكان صلى الله عليه وآله وسلم أخوف الخلق لربه.
أخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة، وأحمد والشيخان والترمذي والنسائي من حديث أنس: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا)) زاد في رواية لأبي ذر ((إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى))، زاد ابن مردويه: ((يسبح الله ويحمده، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى)) زاد الحاكم والبيهقي: ((لا تدرون أتنجون)).
وفي حديث أبي هريرة: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. يظهر النفاق، وترفع الأمانة، وتقبض الرحمة، ويتهم الأمين، ويؤتمن غير الأمين، أناخ بكم الشر والجور، والفتن كالليل المظلم)).
صفحه ۴۸
وعن أمير المؤمنين كرم الله وجهه سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سنته فقال: ((المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني والحب أساسي والشوق مركبي وذكر الله أنيسي والثقة كنزي والحزن رفيقي والعلم سلاحي والصبر زادي والرضى غنيمتي والعجز فخري والزهد حرفتي واليقين قوتي والصدق شفيعي والطاعة حسبي والجهاد خلقي وقرة عيني في الصلاة))
وعن عائشة: ما خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه في شيء إلا أن تهتك حرمة الله تعالى فينتقم)) عند أئمتنا والبخاري ومسلم والموطأ وأبي داود.
وعن أنس قال: إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعبد، ويجيب إذا دعي.
وعنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه برد بحراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أثرت فيها حاشية البرد من شدة (جذبته)، ثم قال: يا محمد، أعطني من مال الله الذي عندك! فالتفت إليه[4أ]رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضحك، ثم أمر له بعطاء. عند أئمتنا والبخاري ومسلم.
وعن أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت، وهلا فعلت. عند أئمتنا والشيخين.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا ولكن يقول: ((ما بال أقوام يقولون أو يصنعون كذا)) ينهى عنه ولا يسمي فاعله.
وعن جابر: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء فقال: لا.
صفحه ۴۹
وعن عقبة بن الحارث قال: صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العصر، فسلم ثم قام مسرعا يتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال: ((ذكرت شيئا من تبر كان عندنا فكرهت أن يبيت عندنا فأمرت بقسمته)) عند البخاري والنسائي.
وعند الطبراني من حديث سهل بن سعد: كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة، فلما كان عند مرضه قال: ((يا عائشة، ابعثي بالذهب إلى علي، ثم أغمي عليه، وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك مرارا، كل ذلك يغمى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشغل عائشة ما به، فبعثت بها إلى علي عليه السلام فتصدق بها، وأمسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حدير الموت ليلة الإثنين...)) الحديث.
وعند الطبراني مرفوعا: ((من سره أن ينظر إلي فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فتشمر إليه، اليوم المضمار، وغدا السباق، والغاية الجنة أو النار)).
وعند أئمتنا والترمذي وغيره من حديث ابن مسعود قال: نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه فقلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطأ، فقال: ((مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)).
وعند ابن حبان من حديث عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرير من مل، فدخل أبو بكر وعمر فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم نائم عليه، فلما رآهما استوى جالسا، فنظر فإذا أثر السرير في جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال أبو بكر وعمر: يا رسول الله، ما يؤذيك خشونة ما نرى من فراشك وهذا كسرى وقيصر على فرش الحرير والديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا تقولا هذا، إن فراش كسرى وقيصر في النار، وإن فراشي وسريري عاقبته الجنة)).
صفحه ۵۰
وعند البيهقي وغيره عن عائشة قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطيفة مثنية، فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف، فدخل إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك، فذهبت فبعثت إلي بهذا. فقال: [4ب] ((رديه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة)).
وعند أئمتنا وأبي داود من حديث ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان خرج عنه من أهله فاطمة [عليها السلام] وإذا قدم من سفر كان أول من يدخل عليه فاطمة، فقدم يوما من غزاة له وقد علقت مسحا أو سترا على بابها، وحلت الحسن والحسين [عليهما السلام] قلبين من فضة، فلم يدخل، فظنت أنه إنما منعه أن يدخل ما رأى فهتكت الستر، وفككت القلبين عن الصبيين، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهما يبكيان فأخذه منهما وقال: ((يا ثوبان اذهب بهذا إلى فلان. قال: أهل بيت في (المدينة) إن هؤلاء أهل بيتي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، يا ثوبان، اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج)).
وعند أئمتنا والشيخين ((ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )).
صفحه ۵۱
وفي آخر: ((ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ترك عند موته دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته التي كان يركبها وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة لابن السبيل)) مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي خزائن الأرض ومفاتيح الكنوز، وأحلت له الغنائم ولم تحل لنبي قبله، وفتح عليه في حياته بلاد (الحجاز) و(اليمن) وجميع (جزيرة العرب) وما داناها من (الشام) و(العراق) وجلب إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يجبى للملوك إلا بعضه، وهاداه جماعة من ملوك الأقاليم فما أستأثر بشيء من ذلك ولا أمسك منه درهما، بل صرفه في مصارفه وأغنى به غيره وقوى به أمر المسلمين.
صفحه ۵۲
وهاهنا فصول:
الأول في شيء مما ورد في تحريم دماء المسلمين وأموالهم
وأنفع الأحاديث في ذلك حديث حجة الوداع المشهور عن أبي بكرة نفيع بن الحرث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذوالحجة ومحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. أي شهر هذا؟!
قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت... حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
فقال: أليس ذا الحجة؟
قلنا: بلى.
قال: أي بلد هذا ؟
قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت... حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال : أليس البلد الحرام!
قلنا: بلى.
قال: أي يوم هذا؟
قلنا : الله ورسوله أعلم. فسكت... حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
فقال: أليس يوم النحر؟
قلنا: بلى.
قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم[5أ] ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه، ألا هل بلغت ألا هل بلغت- ثلاثا.
قلنا: نعم.
قال: اللهم اشهد)) عند أئمتنا والشيخين وأبي داود.
وعند أئمتنا والشيخين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه)).
وعند أئمتنا ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)).
وأخرج النسائي عن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((قتل المؤمن أعظم على الله من زوال الدنيا)).
صفحه ۵۳
وعند ابن ماجة وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفع عنه، ولا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه))
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أخاف مؤمنا كان حقا على الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة)).
وعند أئمتنا والطبراني مرفوعا عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من نظر إلى مسلم بعين يخيفه بها بغير حق أخافه الله يوم القيامة)).
وأخرج البزار عن عامر بن ربيعة أن رجلا أخذ نعل رجل، فغيبها وهو يمزح، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم)).
وأخرج ابن حبان عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه)). قال ذلك لشدة ما حرم الله من مال المسلم على المسلم.
وعند الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق)).
وعند الطبراني من حديث أمير المؤمنين [عليه السلام] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((يقول الله عز وجل: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري)).
وأخرج أبو الشيخ من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((قال الله: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل)).
وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقا فقد برئ من ذمة الله تعالى وذمة رسوله)).
صفحه ۵۴
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام)). عند الطبراني وغيره.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه)).
وعند الترمذي من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [5-ب] بعث معاذا إلى (اليمن) فقال: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)).
وأخرج أبو يعلى في مسنده وأحمد والضياء عن أنس مرفوعا: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة)).
وأخرج الخطيب عن أمير المؤمنين مرفوعا: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنها تسأل الله حقه، وإن الله لا يمنع ذا حق حقه )).
صفحه ۵۵