لمثل ذا فليعمل العاملون
قال الدكتور: «ومن الحكايات المتداولة في عصرنا الحاضر أنه لما كانت فاطمة بنت محمد تتلو هذه الآية، وهي
اقتربت الساعة وانشق القمر [القمر: 1]، سمعتها بنت امرئ القيس، وقالت لها: إن هذه القطعة من قصائد أبي، أخذها والدك وادعى أن الله أنزلها عليه، ومع أنه يمكن أن تكون هذه الرواية كاذبة؛ لأن امرأ القيس توفى سنة 540م، ولم يولد محمد إلا في سنة الفيل؛ أي سنة 570م، فلا ينكر أن هذه الأبيات المذكورة واردة في سورة القمر، وفي سورة الضحى، وفي سورة الأنبياء، وفي سورة الصافات، وغاية الأمر أنه يوجد اختلاف طفيف في اللفظ وليس في المعنى؛ فورد في القرآن: اقتربت، وفي القصيدة: دنت ...
ومن البين الواضح أنه يوجد مناسبة ومشابهة بين هذه الأبيات وبين تلك الآيات الواردة في القرآن، فإذا ثبت أن هذه الأبيات هي لامرئ القيس حقيقة، فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودها في القرآن؛ لأنه يتعذر على الإنسان أن أبيات شاعر وثني كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.»
ثم قال الدكتور يطالب العلماء المسلمين مع المعترضين والمشتبهين بأن يقيموا الدليل على أن هذه الآيات مأخوذة ومقتبسة من القرآن، وأنها ليست من نظم امرئ القيس الذي توفي قبل مولد محمد بثلاثين سنة، ولكن يصعب علينا أن نصدق بأن ناظم هذه القصائد بلغ إلى هذا الحد من التهتك والاستخفاف والجرأة في أي زمن من الأزمان بعد تأسيس مملكة الإسلام، التي كانت متسعة الأطراف والأكناف، حتى يقتبس آيات من القرآن ويستعملها في مثل هذا الموضوع.
ثم يختم الدكتور كلامه في هذه الشبهات مصطنعا الحذر والحيطة؛ لئلا يثبت نظم هذه الأبيات بعد الإسلام، فتسقط الشبهة كلها، فيقول: إن هذه الأبيات ليست كل ما يعترض به المعترضون؛ لأن ما تقدم من الأسانيد كاف عندهم لتأييد هذه القضية.
1
وأيسر ما يبدو من جهل هؤلاء الخابطين في أمر اللغة العربية قبل الإسلام وعلاقتها بلغة القرآن الكريم، أنهم يحسبون أن علماء المسلمين يلقون في بحث تلك الأبيات وصبا واصبا؛ لينكروا نسبتها إلى الجاهلية، ولا يلهمهم الذوق الأدبي أن نظرة واحدة كافية لليقين بإدحاض نسبتها إلى امرئ القيس أو غيره من شعراء الجاهلية.
وهذه النظرة الكافية هي التي تعيي الناقدين المستشرقين، وهي أصل وثيق من أصول النقد يعول عليه الناظر في الأدب كل التعويل، ولا يقدح فيه أن يتسع للجدل، وأن يجوز عليه الخطأ في القليل دون الكثير.
كذلك يتسع سبيل الجدل في إنكار خبرة الخبير بكتابة الخطوط، وكذلك يجوز الخطأ في محاكاة الكلمة، أو بضع كلمات، ولا يجوز في السطور والصفحات.
صفحه نامشخص