إهداء الكتاب
مقدمة
المثاني
إهداء الكتاب
مقدمة
المثاني
المثاني
المثاني
تأليف
عبد الوهاب عزام
إهداء الكتاب
إلى والدي الكريمين رحمهما الله اللذين أورثاني فيما أورثاني حب الخير، والخضوع للحق، والإباء على الباطل.
من وراء السنين أهدي كتابا
فيه من حكمة الحياة سطور
في مكان به القريب بعيد
وزمان به القليل كثير
عبد الوهاب عزام
التصوف والسياسة
بقلم عباس محمود العقاد
كان أول ما قرأت من شعر الدكتور عزام ديوانا لطيفا جمع بين طائفة من مترجماته للشاعر المتصوف محمد إقبال الملقب بشاعر الإسلام، وطائفة من مبتكرات عزام في المعاني الصوفية أو المعاني الروحية، وتشابه النسق في الشعرين لأنهما في العربية من كلام ناظم واحد، وتشابه الجوان، ولا أقول تشابه المعنيان، حتى لقرأت مثنوية لعزام حسبتها من كلام إقبال، ولم أصحح هذا السهو إلا بعد مراجعة وتحقيق.
لا يتشابه الجوان الروحيان هذا التشابه لأن الدكتور عزام يعجب بإقبال ويترجم كلامه إلى العربية، فلا بد من سليقة صوفية في روح شاعرنا العربي توحي إليه معانيه وخواطره، ولا شك أن الأصح من القولين أن هذه السليقة الروحية في نفس عزام هي التي حببت إليه إقبالا ومالت به إلى الإعجاب بشعره، فهذه السليقة هي مصدر الإعجاب بإقبال، وليس الإعجاب بإقبال مصدرها الأول ومبعثها الأصيل.
وعدت أقرأ لعزام بعد ذلك الديوان اللطيف فلم يزل هذا الخاطر يثبت عندي ويتمكن كلما قرأت له جديدا من الشعر أو قديما فاتني أن أقرأه في حينه، ثم قرأت هذه المثاني وفي ذهني هذا الخاطر فلم يزل يثبت كذلك ويتمكن كلما تتبعت أبياتها وموضوعاتها، حتى أكاد أنقل الديوان، أو معظمه، إذا أردت أن أسوق الشواهد على أصالة السليقة الصوفية في نفس الشاعر العالم الأديب.
لا يحتاج أن يقتبس الصوفية من أحد من يلهمه ضوء القمر على صفحة البحر أن يقول:
أحسب البدر ساطعا نبع ماء
فأرجي لديه تطهير ذنبي
وأراه من الأشعة فيضا
أتمنى لديه تنوير قلبي
أو يقول:
ذلك الماء والأشعة طهر
وصفاء يخال نورا وبحرا
إيه يا نفس فاطهري وأضيئي
واشربن يا فؤاد صفوا وطهرا
فليس أشبه بفطرة المتصوف من تطهير النفس بجمال الكون ومن اتخاذ الجمال واسطة إلى الله.
ولا يحتاج أن يقتبس الصوفية من أحد من يفرق بين شريعة الباطن وشريعة الظاهر هذا التفريق:
قيل هذا محلل لا تدعه
قلت هذا الحلال عندي أثام
هو في شرعة الفقيه حلال
وهو في شرعة القلوب حرام
فهذا ميزان التصوف من قديم الزمن للفضائل الظاهرة والفضائل الخفية، وقصة موسى والخضر عليهما السلام خير مذكر بهما من آي القرآن الكريم.
ومن أعماق التصوف أن تواجه النفس آفاق الأبد متحررة من حدود الأزمان كما قال الشاعر:
لا يبالي الأحرار في هذه الأر
ض حدود البقاع والأوطان
ومن الناس من يحرر حتى
لا ترى نفسه حدود الزمان
أو كما قال:
فلك دائر وصبح ومسي
أخذ الناس في الزمان دوار
حرر النفس من نهار وليل
تجد الدهر ما به تكرار
وإذا اقتبس الناقل في معاني التصوف فإنما يقتبس العبارة المتفرقة هنا وهناك ولا يقتبس السليقة التي تنظر إلى كل شيء بمنظار واحد فيما هو قريب وما هو بعيد من لباب الحقيقة الصوفية، وهذه السليقة هي التي أوحت إلى شاعر المثاني أن يجعل للصلاة وضوءا من العفة إلى جانب الوضوء من الماء.
اسأل الظالم المصلي من ذا
قد أحل الصلاة للظلام
أول الطهر للصلاة اغتسال
يرحض النفس من حقوق الأنام
ولا أريد أن أنقل الديوان كله أو معظمه، كما أسلفت، في معرض الشواهد التي تبدي هذه النظرة في مختلف المنظورات، فسيراها القارئ غير معتمد على الشواهد، وسنزيد عليها فيما يلي شواهد أخرى في سياق غير هذا السياق.
يقول القارئ: عجب! أصوفي وسياسي؟ إن الدكتور عبد الوهاب عزام - كما يعلم القراء - سفير مصر الموفق عند دولة الباكستان، وهو من ثم في زمرة أهل السياسة الذين مثلوا لأبناء عصرنا في مثال يقول القائل منهم ما يشاء، إلا أنه مثال الصوفية والمتطهرين.
وإنني لأرحب بهذه المناسبة لأنها أصلح المناسبات لتجلية النفس الإنسانية وتصحيح الموازين الأدبية والفكرية في معرض من أهم معارض البحث الحديث، وهو البحث في حدود الملكات ومصادر الأعمال والنيات، وهنا موضع الشواهد التي قلنا قبل سطور إنها تدل على السليقة لأنها تأتي - على قصد وعلى غير قصد - في نسق واحد حين ينظر الشاعر إلى جميع المنظورات، وسنورد فيما يلي بعض الشواهد على السليقة التي تربط بين التصوف وبين السياسة في أشرف معانيها، وإنها لأقرب شيء في هذه المعاني إلى مثال الصوفية والمتطهرين.
لا عجب في أن يجمع شاعر المثاني بين السليقة الصوفية وملكة السياسة؛ لأنه يدين بالصوفية التي دعته إلى الإعجاب بشعر إقبال، وما كان إقبال من متصوفة «الفناء» الذين يقولون «لا» حين يواجهون العالم أو يواجهون الوجود من ظاهره إلى خافيه، ولكنه كان من متصوفة «الثبوت» الذين يقولون «نعم نعم» لكل مظهر من مظاهر الحياة أو الوجود.
تصوف لا يهرب من غمرة الحياة؛ لأنه:
إنما يعرف التصوف في السو
ق بمال ومطمع وفتون
وتصوف لا ينكص عن المعالي، لأن المعالي إذا ملأت النفس أخرجت منها وساوس الشيطان:
املأ النفس بالمعالي وإلا
ملأتها وساوس الشيطان
ومثل هذا التصوف والعمل في ميادين السياسة لا يتناقضان، ولا سيما تصوف «السفارة» وهو من الألف إلى الياء وئام وسلام. يقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
أمنح الناس مسمعي وحديثي
وألاقي كلامهم بكلام
وسوى ذاك في الفؤاد حديث
من وراء الأسماع والأفهام
ويقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
قلت للنفس ساء ظني بالنا
س وشاهت وجوههم والسمات
قالت: اصقل مرآة نفسك وانظر
رب وجه تشوه المرآة
ويقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
كم بهذا الأنام أحسنت ظنا
فنهتني عواقب التجريب
ثم عاودت فيهم حسن ظني
آملا فيهم صلاح القلوب
ويقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
إن في النفس بغضة لأناس
أصلحنهم وحببنهم إليا
واغسل الحقد والهوى من فؤادي
واجعلني لكل حق وليا
وجماع ذلك كله قوله في ضبط النفس مفرقا به بين الحر والعبد:
قيد الحر نفسه برضاه
وأبى في الحياة قيد سواه
وترى العبد راضيا كل قيد
غير تقييد نفسه عن هواه
فهذه خصال تلتقي كلها في فضائل المصافاة والتغاضي وأخذ الناس بالحسنى وبسط المعاذير، مع ضبط النفس وتغليب الحكمة على الهوى في جميع الأحوال، وكلها من ملازمات الصوفية، وكلها كذلك من ألزم لوازم السفارة بين الأمم والآحاد.
وأحسب القارئ يحيط الآن بما عنيناه حين قلنا إن المتصوف الناقل قد يقتبس من التصوف عبارة هنا وعبارة هناك ولا ينظر بالعين «المتصوفة» إلى جميع المنظورات على هذا المنوال، وبهذه السليقة يتلاقى المتصوف والسفير أحسن لقاء.
على أن الشاعر السياسي كان سفيرا بين مصر والشرق بعلمه قبل أن يكون سفيرا لهما بعمله، وكان لدراسته الفارسية والأردية أثر في تقريب ثقافتهما يحسب من سفارات الأدب التي تعاون فيها العلم والعمل، ومن هذا التقريب الذي لم يسبق إليه: تعريفه قراء العربية بتاريخ الرباعية في الآداب الفارسية والعربية؛ فهو أوفى ما كتب بلغتنا في هذا الموضوع.
وستكون هذه المثاني صلة جديدة بين آدابنا وآداب الفرس والهنود، فإنها تجدد لنا القالب الذي أفرغت فيه طائفة مختارة من شعر هذه الأمم، وتريد عليها فضل النسبة العربية فيما استوحاه الشاعر العالم السياسي من سليقته وفطنته وخياله، وفقه الله للمزيد من هذه السفارة العليا، وأفاد بجهده المشكور أتم ما يفيد.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تفضل الكاتب الألمعي الكبير، والشاعر المبدع القدير الأستاذ عباس محمود العقاد فكتب مشكورا مقدمة لهذه المثاني.
فأقصر أنا كلمتي هذه على تاريخ نظم هذه الأبيات وعلى تسميتها.
1
هذه أبيات نظمتها مثاني في أوقات شتى. خطرت لي في الحضر والسفر، حتى في الطائرة، خطرت حين الفراغ وحين العمل، بالليل والنهار.
نظمت الأولى منها فبدا لي أن أنظم أمثالها، وتوالت الخطرات وتوالى النظم. وكتبت ما نظمت فور نظمه أحيانا. وكثيرا ما نظمت في الطريق فحفظت ما نظمت حتى تيسرت كتابته.
ثم حرصت على أن أسجل وقت النظم ومكانه، ولكني لم أثبتهما مع الأبيات لئلا أعني القارئ بهما، إلا أن يكونا متصلين بالمعنى، يتضح بهما، أو يكمل معهما، أو كان في إثباتهما فائدة أخرى.
نظمت الخطرة الأولى على شاطئ بحر العرب من مدينة كراچي يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة (21 آب سنة 1952م).
ونظمت آخرها وأنا أكتب هذه المقدمة، يوم الأحد ثامن عشر صفر 1374ه (17 تشرين الأول سنة 1954).
وإن توالي النظم من بعد على هذا النسق ألحق ما أنظمه بأخواتها في الطبعة الثانية.
ونشرتها كما نظمتها على ترتيب التاريخ ولم أجمع المتشابهات منها بالتقديم والتأخير، فرب بيتين في معنى يبعدان مكانا عن أبيات أخرى في معناهما، ويجاوران أبياتا لها معان بعيدة عنهما.
وكتبت عنوانا لبعض المثاني توضيحا لفكرة اشتملت عليها، أو جمعا للمثاني التي تتوالى في معنى واحد أو التي يجمعها مكان واحد أو زمان من الأمكنة والأزمنة التي رأيت أن أثبتها مع الأبيات، جمعت هذه تحت عنوان واحد وبينت تتابعها بكتابة حرف ت بجانب أرقامها.
وأدع للقارئ تبين ما في هذه المثاني من دعوة إلى الجلال والجمال، والخير والحق، والأمل المشرق، والجد الدائب، والاستكبار على الدنايا، ولقاء الحوادث بعدتها من الإيمان والصبر، وما يتصل بهذه من معاني الحياة الكريمة.
2
وسميتها المثاني
وكان بدا لي أن أسمي هذه الأبيات رباعيات، كاصطلاح أدباء الفرس في الأبيات الثنائية، وكما جرى العرف بين أدباء العرب في هذا العصر، ولكني عدلت عن هذه التسمية بعد التأمل.
وإليك البيان: (أ) الرباعي في الفارسية
عرف وزن الرباعي منذ عرف الشعر الفارسي الحديث، منذ أواخر القرن الثالث الهجري. ويقول شمس الدين محمد بن قيس الرازي مؤلف كتاب المعجم في معايير أشعار العجم - وهو أوسع وأقدم ما كتب في هذا الموضوع بالفارسية:
1
إن أحد متقدمي شعراء العجم - وأحسبه الرودكي
2 - أخرج من بحر الهزج وزنا مقبولا تميل إليه الطباع السليمة فسمي الرباعي.
ثم يروي المؤلف قصة اختراع هذا الضرب من الوزن فيقول إن الشاعر الذي اخترعه كان يجول في متنزهات مدينة غزنة في يوم عيد فرأى جمعا من الصبيان يلعبون بالجوز. وبينهم صبي مليح فصيح اتجهت إليه عيون النظارة، فرمى الصبي جوزة فلم تصب الحفرة وجاوزتها ثم رجعت تتدحرج حتى وقعت فيها فصاح الصبي:
غلتان غلتان همى رود تابن كو (تتدحرج تتدحرج ذاهبة إلى قعر الحفرة).
فأعجب الشاعر بهذه الجملة في هذا الصوت، وأدرك فيها وزنا جميلا فقاسه على أوزان العروض حتى أخرجه من بحر الهزج، وضم إليه شطرا على قافيته وبيتا على وزنه، فصارت الشطرات الأولى والثانية والرابعة متفقة في القافية، والثالثة مطلقة.
ثم يصف المؤلف شيوع هذا الوزن وفروعه، وافتتان الناس به إلى أن يقول:
وجرت العادة أن يسمى ما نظم بالعربية من هذا الوزن «قولا» وما نظم بالفارسية غزلا، وأهل العلم يسمون ملحونات
3
هذا الوزن «ترانه» وغير الملحون «دوبيت» وسماه المستعربة «الرباعي». ا.ه.
وظاهر أن هذا الضرب سمي رباعيا لأنه مؤلف من أربعة أشطر كما سمي «دوبيت» لأنه مؤلف من بيتين، ولكن مؤلف المعجم يقول إن المستعربة سموه رباعيا لأنه مؤلف من أربعة أبيات بحساب العروض العربي؛ لأن الهزج في العربية لا يزيد على مفاعيلن أربع مرات، وفي الفارسية كل شطر فيه أربع تفعيلات، فساوى الشطر في الفارسية البيت في العربية.
ويوافق هذا ما في كتاب معيار الأشعار، وهو كتاب فارسي ألف سنة 649ه ولا يعرف مؤلفه، نقل عن هذا الكتاب الشيخ سيد سليمان الندوي رحمه الله في كتابه عن الخيام:
وقال القدماء على هذا (وزن الرباعي) شعرا كثيرا، وقفوا كل مصراع وعدوه بيتا مثل الرجز المشطور ... ولهذا حسب القدماء الرباعي أربعة أبيات وسموه «جهار بيت» وسموه بالعربية «الرباعي» والتزموا التقفية في الأربعة.
وأما المتأخرون فقد تركوا مربعات هذه الأوزان، وعدوا كل بيت منها مصراعا وسموا الرباعي «دوبيت» ولم يشترطوا التقفية (يعني في كل شطر) ا.ه.
ولعل مما يؤيد هذا أن الرباعيات العربية التي رواها الباخرزي مقفاة الأشطر كلها، ولكنا لا نسلم بقول صاحب معيار الأشعار إن القدماء التزموا تقفية كل مصراع؛ فقد أثرت رباعيات عن الرودكي والعنصري وغيرهما من المتقدمين لم يقف فيها الشطر الثالث.
ويمكن أن يقال إجمالا: قد اتفق الشعراء المتقدمون والمتأخرون على وزن الرباعي ، ومال المتقدمون إلى تقفية الشطور كلها ولم يلتزموه، ومال المتأخرون إلى إطلاق الشطر الثالث ولم يلتزموه أيضا، واتفقوا على تسميته بالرباعي واختلفوا في تعليل التسمية أهي نسبة إلى أربعة أشطار أم أربعة أبيات. •••
وقد أخرج شعراء الفرس أربعة وعشرين ضربا في وزن الرباعي نصفها من الهزج الأخرب، وهو يبتدئ بمفعول، ونصفها من الهزج الأخرم ويبتدئ بمفعولن.
وهي في ظاهرها بعيدة من الهزج بما لحقها من الزحاف والعلة، ولكنها في اصطلاح العروضيين مأخوذة منه متصلة به. (ب) الرباعي في العربية
يقول مؤلف المعجم:
ولم يكن الزحاف المستعمل في هذا الوزن معروفا عند العرب فلم ينظم فيه القدماء شعرا عربيا، ولكن المطبوعين من المحدثين أقبلوا عليه اليوم كل الإقبال، وشاعت الرباعيات العربية في كل بلاد العرب.
ألف شمس الدين محمد بن قيس كتابه في أوائل القرن السابع الهجري. وعرفنا أن الرباعيات العربية كانت شائعة في عصره في كل البلاد العربية.
وهذا كلام مؤلف آخر أقدم منه هو علي بن الحسن الباخرزي مؤلف «دمية القصر» المتوفى سنة سبع وستين وأربعمائة من الهجرة، يقول في ترجمة أحمد بن الحسين الخطيب من شعراء عصره وهو من أصحاب اللسانين (العربي والفارسي):
ولم يبلغني من شعره إلا قطع نظمها على وزن الرباعي مثل قوله:
قد هاض فراقه فقاري والله
واستهلك هجره قراري والله
أذري الدم ليلي ونهاري والله
لم يغن من الهوى حذاري والله
وقوله:
أبلى جسدي هوى ظلوم جاني
قد هجن قده قضيب البان
يا من أضحى وما له من ثاني
ما ضرك لو فككت هذا العاني
ولم أكن سمعت هذه الطريقة حتى أنشدني والدي لأبي العبار الباخرزي رباعيات على هذا النمط منها قوله:
قد صيرني الهوى أسير الذلة
واستنهكني وما بجسمي علة
واستأصل هجره بصبري كله
لا حول ولا قوة إلا بالله
إلى أخوات لها من مقاله.
ثم نسج والدي على منواله فنظم منها أعدادا كثيرة على وزنه فمنها قوله:
أعطيتك يا بدر عنان القلب
لا زلت أرى هواك شان القلب
لو لم يكن الصدر صوان القلب
أنزلتك والله مكان القلب
وقلت أنا:
قد مل هواي فافترشت المله
خل بوصاله يسد الخله
أدمى كبدي بسيف هجر سله
ما أجوره علي سبحان الله
انتهى كلام الباخرزي.
ويؤخذ منه: (1)
أن الرباعيات لم تشع في العربية حتى زمن الباخرزي فلم يسمع بها حتى أنشده والده بعضها. (2)
وأن الرباعيات العربية على وزن الفارسية. (3)
وأن التقفية في رباعيات العرب تنتظم الشطور الأربعة مع أن الفارسية تلتزم فيها التقفية بين أشطر ثلاثة، والشطر الباقي وهو الثالث منها، يجوز إطلاقه وتقفيته. (4)
وأن ناظمي الرباعيات العربية استعملوا القافية المردوفة أحيانا، وهي التي تكرر فيها كلمة بعينها، وتراعي التقفية قبلها.
كما في الرباعية:
قد هاض فراقه فقاري والله ... إلخ.
والرباعية:
أعطيتك يا بدر عنان القلب ... إلخ.
وهذا النوع من التقفية شائع في الشعر الفارسي أوزانه كلها، ويظهر أن الرباعيات العربية كانت قليلة وحديثة عهد بالنشوء أيام الباخرزي ثم شاعت من بعد. حتى عمت البلاد العربية كما قال صاحب المعجم. •••
يتبين مما قدمت أن الرباعيات في الفارسية والعربية لها وزن يخصها، ونظام في القافية يميزها؛ فليس كل ما نظم بيتين بيتين يعد رباعيا.
لهذا رأيت ألا أسمي أبياتي هذه رباعيات، إبقاء على الاصطلاح المتبع في الأدبين العربي والفارسي، وسميتها المثاني إذ كانت الأبيات فيها مثنى مثنى.
وقد جاء في القرآن الكريم:
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله .
وحسبي فخرا، وحسب هذه الأبيات صيتا، أن تسمى سمة مأخوذة من القرآن.
وإني لشاكر لدار المعارف عنايتها بإخراج هذه المثاني في صورة من الجمال والإتقان اللذين عرفا في كل أعمالها.
والحمد لله الملهم. وهو حسبي وكفى. ا.ه.
كراچي الأحد ثامن عشر صفر سنة 1374ه
17 تشرين الأول 1954م
عبد الوهاب عزام
هوامش
المثاني
1
أيها البحر
1
زاخر ثائر نهارا وليلا
أيها البحر ما هياج البحور؟
هل خلا من هديرك الدهر يوما
أو سيخلو على مرور الدهور؟
2
ترفع الشمس عن جمالك سترا
ويصون الجمال ستر الظلام
2
يقرأ الناس من جمالك سطرا
من حروف الإصباح والإظلام
3
تختفي كالنجم في الدجن اختفى
ثم تبدو ومض برق للفؤاد
3
أنت في غيب وومض ظاهر
ذان للعين بياض وسواد
4
إنما التوحيد إيجاب وسلب
فيهما للنفس عزم ومضاء
لا وإلا قوة قاهرة
فهما في القلب قطبا الكهرباء
4
5
يشغل العين والجوارح سيري
ولظى النار في الفؤاد كمين
وتثور الذكرى كقدحة زند
فإذا القلب لاعج وشجون
6
ينبع الدمع في شئوني حينا
وله في الفؤاد نبع جلي
وأراه يجيش في العين حينا
وله في الغيوب نبع خفي
5
7
إن يكن في الكلام صدق وكذب
ولدى القلب سره المكنون
فعلى الصدق في العيون دليل
وعلى الوجه شاهد لا يمين
6
8
أمنح الناس مسمعي وحديثي
وألاقي كلامهم بكلام
وسوى ذاك في الفؤاد حديث
من وراء الأسماع والأفهام
9
ينبع الشعر والشواغل شتى
كانبجاس المياه بين الرمال
تبصر الماء صافيا لست تدري
كم فياف سرى بها وجبال
7
10
الوجدان
عقبات تفل كل شباة
وزماع يذلل العقبات
نحن لولا الوجدان يهدي ويحدو
قهرتنا الأهوال في الطرقات
11 ت
كلما أظلم الطريق وأعيا
وتناجت بيأسها الركبان
أبصر الركب للمنازل نارا
وهداهم إلى الديار أذان
12
في نور القمر
أحسب البدر ساطعا نبع ماء
فأرجي لديه تطهير ذنبي
وأراه من الأشعة فيضا
أتمنى لديه تنوير قلبي
13
الإباء
قد عبرنا حدائق الحسن في الأر
ض ترينا الثمار كل شهي
وكبرنا عن أن نسف إليها
فمضينا كطائر وحشي
14
بين الحسن والقلب
يطبع الحسن شكله في فؤادي
ولقلبي على الجمال انطباع
بين نفسي والحسن أخذ ورد
مثل ما غازل المرايا شعاع
8
15
قال لي صاحب: أراك غريبا
بين هذا الأنام دون خليل
قلت: كلا بل الأنام غريب
أنا في عالمي وهذي سبيلي
9
16
قد تهاوى إلى الحضيض أناس
وخزوا حين حوسبوا بالظواهر
ليت شعري فما يكون أناس؟
ما يكونون يوم تبلى السرائر؟
10
17
قلت للصقر وهو في الجو عال:
اهبط الأرض فالهواء جديب
قال لي الصقر: في جناحي وعزمي
وعنان السماء مرعى خصيب
18
في بحار الأيام موج وريح
واصطخاب الأمواج ، والضوضاء
تحت هذا الضجيج في القاع تثوي
لأولي العزم درة بيضاء
19
قلت لليل: كم بصدرك سر
أنبئني ما أروع الأسرار؟
قال: ما ضاء في ظلامي سر
كدموع المنيب في الأسحار
20
أيها الليل أسبلن كل ستر
علني في حماك أخلو بنفسي
فرقتني ضوضاء صوت وضوء
فاجمعن بالظلام والصمت حسي
21
أنا وحدي، قليل ماء وطين
تائه في زمانه حيران
وأراني بك السموات والأر
ض وكونا يتيه فيه الزمان
22
صاح ما اللحن شاجيا ما الغناء؟
ما الوغى ما الضجيج ما الضوضاء؟
اتساق ووحدة وائتلاف
أو نفار وفرقة وعداء
23
إنما النفس وحدها نزعات
شاردات تضل فيها الحدود
وهي بالحق شرعة ونظام
وهي بالله عالم وخلود
24
على ساحل بحر العرب في الليل
ذاك بحر تضيء فيه سفين
تحت بحر من الكواكب حالي
نحن بين البحرين أرباب عزم
نبتغي الشهب منهما واللآلي
25 ت
في فؤادي بحران، ملح وعذب
وبه صرصر وريح رخاء
فهو مر على البغاة عصوف
وهو عذب لصاحبي وصفاء
26
يرتقي الفكر في العوالم حتى
يبلغ العالم الفسيح الرهيبا
ثم يعيا بما يراه فيهوي
يبتغي الأرض والمراد القريبا
27
البحر في نور القمر
ذلك الماء والأشعة طهر
وصفاء يخال نورا وبحرا
إيه يا نفس! فاطهري وأضيئي
واشربن يا فؤاد صفوا وطهرا
28
الوجدان
قالت النفس: لا تسل لست أدري
في خضم الحياة ما مقصودي
غير أني أرى شراعا وريحا
ومنارا يلوح لي من بعيد
29
لا يبالي الأخيار في هذه الأر
ض بباغ ومفتر وحسود
لو يبالون لم يشقوا طريقا
بين هذي الآفات شطر الخلود
30
كم سمعنا وكم رأينا عجيبا:
في أناس طبيعة الحرباء
فهم يبدلون لونا بلون
في غدو وضحوة ومساء
31
لا ترج الثواب عند عباد
خاب من يرتجي ثواب العباد
كم يلاقون بالإساءة إحسا
نا وبالكفر ما لقوا من أيادي
32
لا يعادي الإنسان كلبا عقورا
لا ولا يستحي إذا فر منه
كم عقور من الأناسي فاحذر
ه ولا تخز حين تجبن عنه
33
في نور القمر بعد هدأة الليل
قالت: النفس كم تؤرق عينا
قد حماك المنام في الليل نور
قلت: لا تعجلي لنوم ظلام
إن هذا الجمال نوم منير
34 ت
قطر الدمع في شعاع من النو
ر وجاش الحنين بين الضلوع
قلت: هذي الدموع ذوب ضياء
أم ترى النور من شعاع دموعي؟
35 ت
في فضاء الضياء تسبح عيني
فيجد اليراع في التسطير
من عنان السماء وحي يراعى
ومدادي من الشعاع المنير
36
على ذكر المطالبة بدرجات مالية
علماء الزمان في درجات
11
لا من العلم بل من الأموال
أترى هذه الوظائف أثما
نا بها قومت نفوس الرجال؟
37
كلمات بقين لي من صديق
من دموع تجمعت وشجون
لهف نفسي! يبقى الحنين على الطر
س وتفنى الصدور ذات الحنين!
38
قد نثرت البيان نثر اللآلي
ونظمت البيان نظم فريد
فرنت أعين وغضت عيون
ما احتيالي لجاهل وحسود؟
39
قيل لي: كم ترى عمرت سنينا
قلت: عمرت أعصرا لا تعد
أنا منذ الآزال في الدهر ماض
وإلى الآباد سيرتي، لا أحد
40
إنما الخير ألفة واتصال
بينما الشر نفرة وشقاق
في جذاب وفي اتصال ونظم
تستمر النفوس والآفاق
12
41
في جهاد الحياة ربح وخسر
وصروف ما بين سعد ونحس
والسعيد السعيد من قال حقا: «صنت نفسي عما يدنس نفسي»
13
42
على ساحل بحر العرب
أيها البحر كم محوت خطوطا
وشكولا ما بين مد وجزر
أكذاك الزمان مد وجزر
غاسل من كتابنا كل سطر؟
43 ت
هل لهذا الضجيج يوما سكون
أو بهذا النشيد تفنى لحون
كم تخط الرياح فيك سطورا
ألهذا الكتاب ختم يحين؟
44 ت
ما إخال الهياج في غير شيء
ما إخال الضلوع منك خليه
إن هذا هيام وجد فقل لي
أي وجد حباك رب البريه
45 ت
قلت: ماذا الهيام في شهوات؟
قيل: هذي حياتنا في الصميم
قلت: زيدوا حياة عقل وروح - إن صدقتم - إلى حياة الجسوم
14
46
قبيلتان
بجريح الذئاب تسطو الذئاب
وضعيف الكلاب تغزو الكلاب
15
فإذا حارب الضعيف قوي
فله في القبيلتين انتساب
47
لا فراغ في النفس
املأن بالتوحيد قلبا وإلا
ملأته معابد الأوثان
واشغل النفس بالمعالي وإلا
شغلتها وساوس الشيطان
48
لذة الإباء
قيل: يا غر مورد ومراد
لا تحلئك هذه الخيلاء
16
قلت: إني أرى اللذاذة لكن
خير ما لذه الكريم الإباء
49
شريعة القلوب
قيل هذا محلل لا تدعه
قلت: هذا الحلال عندي أثام
هو في شرعة الفقيه حلال
وهو في شرعة القلوب حرام
50
صلة اللحن بالرموز أراها
بين شعري وبين ورد الربيع
لحن هذه الورود ترجيع شعري
وهي منه رموز لحين بديع
17
51
لي حينا مع الجليس حديث
وإذا ما خلوت حدثت نفسي
فحديث الجليس ظن وحدس
وحديث النفوس تصحيح حدسي
52
دوحة تسكنها الطير في مدينة
دوحة في الديار أسمع منها
كل ليل تشاكي الأطيار:
نغص الفطرة الأناس علينا
بين هذه الضوضاء والأنوار
53
قال نسر محلق لأخيه:
أي سر في خلقة الإنسان
ملأ البر والبحار فسادا
ثم وافى مدمرا في العنان
54
بعد الزمان والمكان
قد تناءى عن الديار مكاني
ثم زاد البعاد مر الزمان
غير أن الفؤاد فيها مقيم
ما نأى بالزمان أو بالمكان
55
كل يوم يجتاب ثوبا جديدا
ما له عن تحول من مناص
مخلص في الكلام والفعل لكن
كل يوم مبدل الإخلاص!
56
على البحر بعد الغروب
أنا وحدي ضعيف حول وطول
عاجز معدم كليل جبان
وأنا منك في غنى واقتدار
وشجاع تهابه الشجعان
57
قلت: للنجم كم عددت من العم
ر وكم سرت في حساب الزمان
قال لي النجم سائرا في ابتسام:
أنا فوق الزمان والحسبان
58
رسائل أصدقاء
زهرات قطفن منذ سنينا
ناضرات على الزمان بقينا
لم تزدها الأيام إلا ازدهارا
وغصون قطفن منها بلينا
18
59 ت
ذلك الخط ناضر كالزهور
لم يغير شذاه مر الدهور
يملأ الأذن والفؤاد حديثا
أين أين الصديق رب السطور
60
هلال صفر سنة 1373ه
يا هلالا على الأنام مطلا
كم جلتك الشهور والأعوام
غرة في جبين أدهم طرف
ما له الدهر وقفة أو جمام
61
يفضح الناس حين يكشف ستر
عن عيوب وخلفه أستار
كيف لو تكشف القلوب عن الخب
ء وتبلى الغيوب والأسرار؟
62
أدعي الطهر في فعالي وقولي
وأباهي بذاك في كل نادي
لهف نفسي! من لي بتطهير نفس
دنست بالظنون والأحقاد
63
قلت: للنفس ساء ظني بالنا
س وشاهت وجوههم والسمات
قالت: اصقل مرآة نفسك وانظر
رب وجه تشوه المرآة
64
الوجدان
كلما حارت الطريق سمعنا
صوت هاد مثوب في الموامي
كلما أطبق الظلام رأينا
خفقة البرق في حنايا الظلام
65 ت
راكب البحر في الظلام هدته
إبر في السفين للقطب تهدى
أيها الخابط الحياة تذكر
إبرة في الضلوع تهدي لقصد
19
66
الغنى والفقر
كم غني إلى العباد فقير
يجمع المال ذلة في فؤاده
وفقير عن العباد غني
يخضع المال صاغرا لمراده
67
أسرع الدهر في التقلب حتى
تعبت في حسابه الأفكار
وتدور الأيام بالناس حتى
يدرك الناس في مداها الدوار
68
ينكر الفضل حاسد وجهول
وغوي إلى هواه يميل
أكثر الناس يخذل الحق فيهم
ناصر الحق في الأنام قليل
69
زهرات
20
ما الذي أحكم التشاكل فيها
وحباها بدائع التلوين؟
ما الذي أفرغ الجمال عليها
وجلاها عرائسا في العيون
70 ت
زهرات بسمن للصبح سكرى
بعدما حاطها الظلام بستر
أي عين رعتك في جنح ليل؟
أي كف جلتك في نور فجر
71 ت
زهرات من لون ليل وصبح
ونجوم ومغرب وشروق
أي عين تؤلف الحسن فيها؟
أي كف تهيم بالتزويق؟
72 ت
زهرات تفتحت كعيون
حدقت أو تخالها أذن سامع
أي حسن هذي العيون رأته؟
أي شعر وعته هذي المسامع؟
73 ت
يا زهورا منيرة باسمات
سامعات مبينة ناظرات
كل معنى وكل لون لديها
من معان تألفت أم شيات؟
21
74
منع اليأس والتبلد علمي
أن بعد الظلام صبحا منيرا
ومع العسر يسره، ومع الحز
ن سرورا وللزمان كرورا
75
التصوف في الأسواق
ليس شيئا تصوف من تقي
فر من غمرة الحياة بدين
إنما يعرف التصوف في السو
ق بمال ومطمع وفتون
76
الموسيقى
تعلن الصوت من ضمير الغيوب
وتلاقي الحجى بلغز عجيب
أدوات بدون صما وبكما
كيف وافى بهن صوت الحبيب
22
77 ت
ليت شعري رنين أوتار عود
أم أنين بصدره المحزون؟
ليت شعري بصدر عود أنين
أم بصدر حنا عليه حنون
23
78
شعري
من حفيف النسيم والأشجار
وتناجي الغصون والأطيار
وخفوق من القلوب خفي
صاغ قلبي بدائع الأشعار
79 ت
من زهور الرياض أنسج شعري
ومن الشعر أشعل الأزهارا
24
إن زهر الرياض ألوان نبت
بعثتها أنفاس شعري شرارا
80
أي سر وعته نفسي فهامت
وطوته بين الضلوع غيوب
ملء سمعي وملء قلبي حديث
وعن الفكر سره محجوب
81
توكل الطير
قلت للطائر المبكر مهلا
مسرح الطائر حاطه ألف شر
قال لكن غدوت في كل يوم
ثم قد رحت لم أمس بضر
25
82 ت
قلت للطير لا أرى لك رزقا
في خفوق ما بين غرب وشرق
قالت الطير: يا جهول غدونا
كل يوم فما عيينا برزق
83
أبكت تلكم الحمامة أم غنت
قلت للطائر المرجع: نوح
أم غناء؟ لقد تحير فكري
قال: أنصت ما بين ماء وزهر
لغنائي، ودع كلام المعري
26
84
قلت للبلبل المغرد مهلا
أي وزن تخذته للقريض؟
قال لا تلتمس لشدوي قيودا
إن شعري محرر من عروض
85
الشعر
قال لي صاحب: سكت طويلا
ثم أبدعت هذه الزهرات
قلت: بالأمس كان شعري سكوتا
ثم فاض السكوت في كلمات
27
86
أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
ما الذي حمل الطيور عناء
لتقيت الفراخ في الأوكار؟
تجمع القوت ما بين خوف وكدح
ثم تحشوه في بطون الصغار
87 ت
ما الذي علم السوابح في البح
ر سفارا إلى قصي البحار
تضع السرء في مهاء دفيء
وتغذ الإياب شطر الديار
28
88
في جوف الليل
فاض وحي من الدموع بعيني
هو سر حواه صدر الظلام
من وراء الزمان نبع خفي
يرفد العين بالدموع الهوامي
89 ت
قطرات من الدموع أضاءت
في خيالي وفي ضمير الظلام
شرر الذكريات أورته زند
من وراء الخطوب والأيام
90
أنا سر حواه صدر الليالي
وبصدري أسرارها وببالي
ووراء الأسرار سر خفي
كل عنه تفكري وخيالي
91
حجرة ملؤها الظلام حوتني
وحوتها أشعة القمراء
رب نفس تلفها ظلمات
وهي في عالم كثير الضياء
92
أجد القلب كالفراش محبا
كل نار، ولا يهاب لهيبا
ثم ألفيه طائرا في الفيافي
يهجر الأهل والديار غريبا
93
كم أطافت بحر وجهي عيون
ثم عادت وسره مكنون
زجروا طائر الجوارح لكن
ما هدتهم إلى الفؤاد ظنون
94
الشعر
قد تركت القريض حينا ولكن
كان في روضه لقلبي هيام
أيسر الشعر ما وعاه بيان
رب شعر يرتاع منه الكلام
95
الشوك والورد
قلت للشوك، وهو يدمي بناني
آفة أنت في الجمال البديع
قال لي الشوك ضاحكا: لست تدري
أنا كالورد، من جمال الربيع
96 ت
أي كف في الروض تحسن صنعا
وتجلي فنونها للعيان
ليس حظ الأشواك والعشب منها
دون حظ الزهور والأغصان
97
من أحل الصلاة للظلام
اسأل الظالم المصلي من ذا
قد أحل الصلاة للظلام!
أول الطهر للصلاة اغتسال
يرحض النفس من حقوق الأنام
98 ت
طائف البيت محرما في خشوع
خالعا للطواف كل مخيط!
طهرن للطواف قلبا وكفا
ولسانا من كل إثم محيط
29
99 ت
صائم الدهر صم وأفطر ولكن
أدم الصوم عن حقوق العباد
هل يصح الصيام والبطن ماض
في التهام القلوب والأكباد
30
100
نحن ندري لذاذة العيش طرا
ونحب الجمال ملء القلوب
غير أنا نعاف كل قبيح
ونريد الجمال غير مشوب
101
على الشاطئ حين الغروب
قلت للشمس: كم طلعت على الده
ر وكم غبت في حجاب الغروب؟
قالت الشمس: ما طلعت وما غب
ت فأنتم لمطلع ومغيب
31
102
اسع وأمل مذللا كل صعب
واهجرن قولة الحكيم البصير:
32 «ما الذي نستفيد في هذه الدن
يا بطول الرواح والتبكير؟»
103
أيها العاكف المسبح! سبح
في عراك الحياة بالآفاق
مثلما كبر الأوائل منا
ووميض السيوف في الأعناق
104
يأخذ الناس بالظنون إذا ما
وافقت منهم هوى في الصدور
ويمارون في الحقائق إما
كذبت فيهم أماني زور
105
فراش وزهر
33
صاح! هذا الفراش زهر يطير
أم فراش يقر هذي الطيور
عل هذا الفراش أحلام زهر
أو أماني أرسلتها الصدور
106 ت
صنع الماء للزهور مرايا
وعلى الزهر للفراش زهور
أي هذي الفراش بل أيها الزه
ر؟ وأي خيالها المنظور؟
107 ت
أيها الزهرة الجميلة ماذا
قد أسرت فراشة في الخطاب؟
ولماذا تطير عنك لأخرى
ثم تهفو إليك رجع الجواب؟
108 ت
أزهور تطير في الأضواء
أم فراش يريد ورد الماء
حارت العين في فراش وزهر
بين ماء وخضرة وضياء
109 ت
ما رأيت الفراش والزهر إلا
صغت منها بدائع الأشعار
صور في الحياة راقت ودقت
فهي توحي دقائق الأفكار
110
في حفل للمولد النبوي
34
قد سمعنا من القصيد ثناء
وعلى الدف والطبول غناء
كل هذا على سناك غبار
حجبوا بالضجيج ذاك الضياء
111 ت
غلب الوجد مادحيك فصاحوا
وتعالى زفيرهم والأنين
ونظرنا إلى سناك حيارى
يعلن الصمت وجدنا والسكون
112
ليس بالصعب أن تكبر والأص
نام صرعى وللأذان دوي
إنما الصعب أن تكبر والأص
نام ترعى وأمرها مأتي
113
صاح ما الحر من يثور على الظل
م وقد ثارت لحقها الأقوام
إنما الحر من يسير إلى الظل
م فيصميه والأنام نيام
114
الحياة
ناب ليث محدد للصيال
ولعدو تعد رجل الغزال
في صيال وفي فرار حياة
لظباء الفلاة والرئبال
115
قد تأملت في وجوه حسان
وقباح، في الوحش والإنسان
صور الوحش والأنيس حروف
حدثتني بما حوت من معان
116
زهر مصنوع
35
زهرات يرقن لونا وشكلا
تملأ العين نضرة من بعيد
أخذتها يداي لونا مواتا
إن حبل الخداع غير مديد
117 ت
إن في الناس أوجها لامعات
تملأ العين زهرة ورواء
ويراها البصير صورة زهر
لم تهبها الحياة عطرا وماء
118 ت
صور الزهر ما لها من ذبول
هي أبقى من ناضرات الزهور؟
ساعة في الحياة خير وأبقى
من ممات يدوم كر الدهور
119
شر القبور النسيان
36
عن ضريحين قد سألت كثيرا
ما درى من ثواهما الجيران
قلت: كل إلى ممات ولكن
شر قبر نحله النسيان
120 ت
رب قبر مشيد ليس يدرى
أي ميت يطول فيه سباته
وضريح من الخلود لثاو
ليس يدري الزمان أين رفاته
121
ملك السماء والأرض
قد سمونا على الدنايا جميعا
وعرفنا الحياة طهرا وبرا
قيل: ماذا أفاد طهر وبر؟
قلت: ملك السماء والأرض طرا
122
إيه يا نفس لا تطيلي كلاما
واسألي الله رحمة للعباد
ذا زمان من الفتون وفيه
نصرة الحق مثل خرط القتاد
123
إن دنياك من نهار وليل
وهي في ذاك صفحة ومداد
فاملأنها الجميل والخير واكتب
أسطرا يستضيء منها العباد
37
124
إن في الناس نقطة في محيط
أو هم مركز عليه المدار
فاثبتن والزمان بالناس ماض
والزم القطب لا يصبك الدوار
125
دعاء
بصرني إذا حواني ضياء
وأنر لي إذا حواني ظلام
واجعل الحق قبلتي وإمامي
ما لقلبي إلى سواه هيام
126
في سفينة إلى البحرين
في خضم الحياة نزجي سفينا
ريحنا العزم والمنار الرجاء
تارة ظلمة وموج وحينا
لجة سمحة وريح رخاء
127 ت
مطلع الشمس قد شهدت من البح
ر وفي البحر كان منها الغروب
أي بحر يا نفس أشرقت منه؟
أي بحر يا نفس فيه المغيب؟
128 ت
ظلمات ولجة وزماع
ولقصد السبيل تجري السفين
هكذا نحن في الحياة، هدانا
خافق ملهم وعقل مبين
38
129
من حافظ الشيرازي
لا تقل لي دع الغناء وأقصر
لا تؤمل في المرج صمت الطيور
أي صحو وفي هواك حديثي؟
أي صبر وفي اقتفاك مسيري؟
39
130 ت
إن هذي الحياة سير دوام
ولنا فوق سيرها تسيار
ثم للفكر والرجاء مسير
بعد هذين، عمرنا أسفار
40
131 ت
قيل: فيم المسير؟ أين المصير؟
قلت: قصد الحياة هذا المسير
لا ترم غاية ولا ترج نزلا
وانظر النجم في الحباك يسير
132 ت
أفرخ الطير في الدجنة باتت
تسأل الريح أمها وأباها
41
ومضت ليلة ومر نهار
أي لاه من الرماة رماها؟
42
133
حياة الإنسان بالأعمال
لا تلفت إلى قديمك إلا
لتعد الأمور لاستقبال
لا تعد الأعمار عاما وشهرا
فحياة الإنسان بالأعمال
134
قيل ذا منصب لغير ثبات
فاتركنه لمنصب ذي ثبات
قلت: ما ذي الحياة أثبت منه
إنه ثابت بقدر الحياة
135
غرة الشمس في الصباح أراها
طغراء لصفحة في الزمان
فاملأنها بلاغة وجمالا
وتجنب بها خسيس المعاني
136
لذة الروح
إن للروح لذة فاطلبوها
هي لا تنتهي وليست تحد
أشعروا النشء لذة الروح يصعد
بهم للسماء عزم وجد
137
هل الإنسان قرد
قال قرد لجده: قد سمعنا
أن منا سلالة الإنسان
قال: كلا والله! ما كان منا
مهلك الحي مخرب العمران
138
كم بهذا الأنام أحسنت ظنا
فنهتني عواقب التجريب
ثم عاودت فيهم حسن ظني
آملا فيهم صلاح القلوب!
139
سوف تبدي الأيام ما خبأته
وتجلى لمخطئ ومصيب
غير أن اللبيب يعرف منها
ما أكنته من وراء الغيوب
140
إن في الناس أوجها صادقات
هي مرآة ما تكن القلوب
ومن الناس من يسر كتابا
وعليه العنوان وجه كذوب
141
صورة الليث
ليس ليث الأقفاص ليثا ولكن
صورة الليث دون قلب وروح
إنما الليث وثبة وانطلاق
وزئير على مهامه فيح
142
طائر في قفص
تحبس الصوت والجناح ظلوما
قائلا: ذاك طائر غريد
إنما الطائر الذي يملأ الجو
طليقا جناحه والنشيد
143
يوزن الوعاء لما فيه
لا تقاس الأوقات باليوم والسا
ع ولكن بصالح الأعمال
43
إنما يوزن الوعاء لما فيه
فدع عنك وزنه وهو خالي
144
حساب الفراغ
شر ما يقتل الزمان فراغ
تتساوى به «ظروف الزمان»
إن عشرا من السنين تساوي
في حساب الفراغ عشر ثواني
145
تسفل النفس بالصغائر حينا
وتضيق الحدود والآماد
فأحل القيود عنها فتسمو
فإذا بي الآزال والآباد
146
الشمس والذرة
هذه الذرة الخفية فيها
عالم من صنيعك المستور
وذكاء التي تضيء علينا
نقطة من كتابك المنشور
147
إنما النور والظلام بياض
ومداد لقارئ ذي بصيره
رب سطر من السواد تراه
أعين القارئين شمسا منيره
148
امض في الحق جاهدا لا تبالي
مستقيما على الصراط السوي
لا تزلزلك صيحة من جهول
أو حسود، أو دعوة من غوي
149
سر هذه الحياة جذب ودفع
وكفاح، لخيفة أو رجاء
وهو في الفعل سادر لا يبالي
بصحيح الفعال أو بالسقيم
152
تاجر العلوم
يملأ الكتب حكمة وعلوما
هو منها بمعزل في الصميم
لست والله عالما أو حكيما
إنما أنت تاجر في العلوم
153
أي سر يفشي النسيم صباحا
فيميل الحنين بالأشجار
هل لنجوى النسيم والغصن لحن
قد وعاه مغرد الأطيار؟
154
قيل: هذي الشهور مرت سراعا
هكذا هكذا مرور الليالي
قلت: هذي السفين مرت خفافا
أثقلوها بصالح الأعمال
155
يثقل العيش والزمان بنفسي
مرهقا بالقيود والأعباء
ثم تأتي ذاكراك خطفة برق
فإذا بي محلق في السماء
156
ذلك الجسم من عظام ولحم
من هواه وعمره في حدود
مسه منك نفحة أو شعاع
فتعالى يطير شطر الخلود
157
قلت للطائر المغرد: مهلا
قد أطرت النعاس عن أجفاني
44
قال لي: همك النعاس فدعني
لشرار يطير في ألحاني
158
وقت السحر
كيف يخلو المنيب لاستغفار
حين يغفو العباد بالأسحار
وتعالى التسبيح من كل شيء
ورمته النجوم بالأنظار
45
159 ت
سكن الكون والظلام ولكن
ملء نفسي من المعاني عجيج
في سكون الظلام تبدو رموز
كرموز الألحان فيها ضجيج
46
160
كمثل الحمار يحمل أسفارا
تطلب العلم جامع الأسفار
ما لها في الفؤاد من إسفار
أوعيت الأسفار في الصدر حفظا
أم حملت الأسفار فوق حمار؟
161
على شاطئ البحر
قهقه البحر إذ خطرت على الشط
ضئيلا، أتيه في تخطاري
أيها البحر رب بحر تراءى
في ضميري كقطرة في بحار
162
في الطائرة
47
قد ركبنا الرياح فوق سحاب
وشققنا الفضاء جنح الظلام
قد بلغنا بالعلم أمرا عجيبا
أين منه عجائب الأحلام
163 ت
بلغ الناس بالعقول وبالعل
م مكانا لم ترجه الأوهام
آه لو تصحب العقول قلوب
فيشيع السلام بين الأنام
164
وردة الصبح
وردة الصبح! ما الذي بلغ الطل
عن الغيب سحرة فابتسمت؟
والنسيم الذي أسر حديثا
ما الذي بثه إليك فهمت؟
165 ت
أيها الورد هل تيقظت إذ مر
شعاع من الصباح منير
أم رأيت الحياة يقظة ساع
48
وحماك المنام عمر قصير
166
في ضوء القمر
أضياء يهب في الجو روحا
أم نسيم به الفضاء يضاء
مزج الحب والجمال بنفسي
مثل ما خالط النسيم الضياء
167
بين البسط والقبض
تارة تغلق المعاني جميعا
فكأن الأكوان جسمي الصغير
ثم تبدو من الضمير معان
فإذا الكون قد حواه الضمير
168
على الشاطئ بعد الغروب
قد تفردت حين أدركت نفسي
هذه الخلوة البعيدة أنسي
لا أبالي ضوضاء موج وريح
إن عدتني ضوضاء جن وإنس
169 ت
عندك البحر ضجة وزخير
وهو في خطبة يعيها الخبير
وترى الموج ثورة وهياجا
وهو في صفحة الزمان سطور
170
إن في ضجة النهار حجابا
ولدى الليل غفلة النومان
نحن يقظى وكل سر خفي
ونيام إذا تلوح المعاني
171
على الشاطئ
قال لي البحر: كم تلبثت عني!
حبستك الديار عن آفاقي
أنت نعم النجي، تسمع مني
وتلقى الأسرار من أعماقي
172
في القمراء
أسمع الهمس في سنا الأزهار
ثم نجوى النسيم والأشجار
ثم أصغي إليه لحنا جهيرا
هام فيه مغرد الأطيار
49
173
الطير والزهر
قلت للطائر المغرد: مهلا
ما نواح بسحرة وبكور؟
قال: دعني فلست أملك صمتا
أنا أتلو سطور هذي الزهور
50
174 ت
قلت للروض بين طير وزهر:
هذه الطير قارئات الزهور؟
قال: كلا بل الزهور سطور
من أمالي شاديات الطيور
51
175
قلت للقلب: كم تعب ضياء!
مستهاما في هذه القمراء
قال لي القلب: بل يفيض ضيائي
فتراه ضياء كل ضياء
176
مراجعة الشعر
أيها الشعر قد هجرت زمانا
شغلتني عن وحيك الضوضاء
وأرى في هتافك اليوم شغلا
عن أمور يعافها الحكماء
177 ت
قد تركت الأشعار ثورة حر
ثم راجعتها بقلب حكيم
كانت الأمس في السحاب بروقا
وهي اليوم ديمة في نسيم
52
178 ت
إنما الشعر حكمة في البرايا
أخذتها النفوس بالتلوين
فهي تحمر من دماء قلوب
وهي تبيض من ضياء عيون
53
179
كيف نجاهد في هذه الحياة
نطلب الأمر في زماع وجد
وإباء وعزة لا تخور
فإذا واتت الأمور، وإلا
فغنانا عن الأمور كبير
180 ت
لست في العيش زاهدا غير أني
لا أذيل الأخلاق في تأميله
ليس في العيش مطلب هو أهل
أن تضاع النفوس في تحصيله
181
في القمراء
ملأ الأرض والسماء هدوء
وأفاضت شعاعها القمراء
كل شيء لهدأة وسلام
ومن الناس هذه الضوضاء
182 ت
يملأ الكون وحدة ونظام
ولحون يحسها الشعراء
لا يخل الألحان والوزن إلا
ضجة الناس ضج منها الفضاء
183
ميلاد الرسول
54
قيل: نحيي ميلاد خير رسول
ولذكراه في النفوس جلال
قلت: نحيي ألفاظها بكلام
وتميت المعاني الأفعال
184 ت
يا رسول السلام والبر والرح
مة والعدل والسنا والسناء
إن ذكراك مولد لمعان
أبد الدهر ما لها من فناء
185 ت
إن بيني وبين ذكراك عهدا
أن تشيع الضياء في أرجائي
وتصب الغيوث فوق مواتي
وتنير الرياض في صحرائي
186 ت
كلما أظلم الرجاء وحرنا
وادلهمت على السفين السبيل
لاح من ذكرك المنير رجاء
وضياء وغاية ودليل
187 ت
ألف داع مضلل ومناد
وظلام وعثير ودخان
ويناجي القلوب منك ضياء
ويشق الضوضاء منك أذان
188
يمحق الدهر كل عين وشخص
ثم يغشى التذكر النسيان
غير أن الإحسان يبقى عليه
55
لا يغشي على سناه الزمان
189
دعاء
رب هب لي على الزمان يقينا
واملأني من اليقين سلاما
واجعلني على التقي زلالا
وعلى الظالم الغوي ضراما
190
الهلال
56
يا هلالا يلوح بعد غياب
فيشيع السرور في الآفاق
كم تلاق أجد بعد فراق
وفراق أجد بعد تلاق!
191
على ساحل البحر حين الغروب
فسحة البحر ملء نفسي وحسي
وبعيني أشعة من ذكاء
فاملأن يا قدير عيني ونفسي
وفؤادي طهارة وضياء
192 ت
اجعلني كالشمس فيض حياة
كل يوم جديدة الإشراق
واجعلني كالنبع صفو زلال
كل حين مجدد دفاق
193 ت
أيها الطائر الوحيد على الشط
أجبني فأنت مثلي وحيد
إن في الخلوة اجتماعا لنفس
وبها جلوة وفيها شهود
194 ت
لست أخلو لغفلة وسكون
وفرار من الورى وارتياح
إنما خلوتي لفكر وذكر
فهي زادي وعدتي لكفاحي
195
لا يبالي الأنام من غاب عنهم
وهو فيهم على رجاء الإياب
57
كيف من غاب لا يرجي رجوعا!
كيف من غاب ثاويا في التراب!
196
قيدن فكرك الشرود بأمر
ذي صلاح ولا تدعه يهيم
لا يطيق السكون طرفة عين
ومريء مراده أو وخيم
58
197
تهبط الرغبة الدنية بالنف
س ويسمو بها عظيم الرجاء
فامنحنها من العظائم عزما
وجناحا تجز عنان السماء
198
هلال رجب
59
رجب في السند ازدهاه هلال
بسناه أضاء مكنون سري
يا جديد الهلال! أنت قديما
فوق بغداد، هجت شوق المعري
60
199
وفاة صديق
راعني في البعاد نعي خليل
كان في غمرة الحياة شقيقي
علمتني مصيبة الدهر فيه
أن نصف الممات موت الصديق
61
200
على الساحل
قلت للبحر ما ضجيج ولغو
دائم؟ قال: فاتك الإلهام
ذاك في مسمع الجهول ضجيج
وهو في مسمع الحكيم كلام
201
الشعر
يهبط الشعر نحلة في رياض
أو فراشا يطوف حول الزهور
إن تكن روضة أتاك وإلا
لم تجئك الأشعار بالتدبير
202
دعاء
يا ضياء العيون في كل جنح
ورجاء القلوب في كل ياس
املأ القلب من رجاء ونور
واهدينا في كل خطب عماس
203
أنا بالله في الحياة قوي
وبه في الخطوب حر أبي
إن أكن عبده بحق فإني
بغناه عن العباد غني
204
يا حبيس البيوت! يومك فيها
في حدود الأبواب والأسوار
مطلع الشمس كوة في جدار
ولها مغرب وراء جدار
62
205
طهارة الفكر
عن بذيء الكلام يسمو كلامي
وأكف الفعال عن كل ذام
كيف بالفكر وهو ومض بروق
كيف أسمو به على الآثام؟
206
ما مضى من العمر ربح
63
لا يهولنك ما مضى من زمان
إنه الغنم في جهاد الحياة
ما مضى كسبك المحقق فيها
وظنون من الحياة الآتي
207 ت
ليس ما فات من حياتك خسرا
إن ملأت السنين والأياما
قيل لي: قد خسرت خمسين عاما
قلت: كلا ربحت خمسين عاما
208
لا تضق بالمزاح نفسا ففيه
تفرغ النفس من هموم الزمان
ربما تفزع النفوس إلى الهز
ل جماما يعدها للطعان
209
لا يبالي الأحرار في هذه الأر
ض حدود البقاع والأوطان
ومن الناس من يحرر حتى
لا ترى نفسه حدود الزمان
210
إن للشعر ساعة هو فيها
فيض نبع مقهقه بالزلال
لا ترمه، إن غاض، بالحفر عنه
فتصبه بحمأة ورمال
211
الجنايات
شرط لا تني، وقاض وسجن
والجنايات كل يوم تزيد
أيها الهانئ الجلود تمهل
بطن الداء والعلاج بعيد
212 ت
ينبت الشوك ذلك الحقل فانظر
كيف تنفي بذوره من ثراه
قاطع الشوك! والتراب وبيء
اقطعنه ما شئت ينبت سواه
213
الحق والباطل والصلاح والفساد
يرفع الباطل العقيرة حينا
ثم يفنى صداه في الوديان
وترى الحق يخفض الصوت حينا
ثم يعلو مجلجلا في الزمان
214 ت
ذكر المصلحين في الناس تبقى
كنجوم تنير في الظلمات
ولأهل الفساد هبوة يوم
ثم يفنى الإعصار في الفلوات
215
الأحرار والعبيد
تجد الحر رقة وصفاء
وزلالا يسيغه الإخوان
ويسام الهوان يوما فيأبى
فإذا الماء مارج ودخان
216 ت
لا يغرنك فخر قوم تعالوا
وادعوا أنهم أكابر صيد
هم على هامة الضعيف ملوك
وعلى سدة القوي عبيد
217
ذا زمان لفتنة وخداع
ضاق فيه مذاهب الأحرار
فالزم النهج واسأل الله هديا
لا تغرنك دعوة الأغرار
218
التعليم والتربية
رببوا النشء جهدكم في بيوت
في ظلال الآباء والإخوان
ما ازدهار النبات وهو غريب
كازدهار النبات في الأوطان
219 ت
لا تظنوا التعليم درسا وحفظا
هو سقي النفوس ماء الحياة
اجعلوا عيني المعلم في النش
ء شعاع الشموس فوق النبات
220
الوحش والإنسان
قلت: يا صاحبي أتعرف وحشا
في بني جنسه يواصل فرسه؟
64
قال لي: ما علمت في الأرض وحشا
غير هذا الإنسان يفرس جنسه
221 ت
لاصطياد الوحوش بندق رمي
وببعض الآلات شق الجبال
ولحرب الإنسان كل سلاح
ما وعاه الشيطان يوما ببال
222
إبليس يهجر الأرض
قال إبليس: يا بني هلموا
نهجر الأرض خيفة الإنسان
هو يصلى بناره وستصلى
بلظاه قبائل الشيطان
223
الأستاذ الحق
ليس أستاذنا الملقن درسا
ومجيل الأقلام بالتصحيح
هو من يقرئ الزمان ويقفو
صفحات الأيام بالتنقيح
224
على الشاطئ
قال لي البحر: كم تسير بشطي
وتطيل التحديق في مرآتي
قلت: أصغى إلى وغاك وأمضي
آخذا للموات شعر الحياة
225
سنن الله في الخلائق تمضي
لا تني ساعة وليست تحول
وخلال الأحرار منها، فليست
عن جهاد في الحق يوما تزول
226
اتقوا الله رب لفظ غوي
يقذف النشء في مهاوي الفناء
أسمعوا النشء كل لفظ أبي
يرفع النفس مصعدا في السماء
227
ضيق الألفاظ عن المعاني
رب معنى يأبى على كل لفظ
وعلى حكم كل قيد يثور
قد جعلنا الألفاظ فيه رموزا
وتعالى بجوه التفكير
65
228
نطقه الذكر، والسكوت لفكر
ومجال العينين في الإعتبار
66
ذلكم في الحياة أعلى مقام
نافسوا فيه يا أولي الأبصار
229
حرية وعبودية
هو حر يجل عن كل قيد
من تراث الآباء والأجداد
فإذا جاءه من الغرب قيد
فهو عبد يتيه بالأصفاد
230
فلك دائر وصبح ومسي
أخذ الناس في الزمان دوار
حرر النفس من نهار وليل
تجد الدهر ما به تكرار
231
عش غراب
67
رقص العش في غصون ضعاف
في مهب الرياح، فرخى غراب
أي بان بنى فأحكم عشا
ثابت الأس فوق ذا الاضطراب!
232 ت
طار عن عشه وفرخيه خوفا
قد عراه من اقترابي ارتياب
جرب الناس فاستراب بقربي
لست منهم فلا تخف يا غراب
233 ت
لغراب يزق فرخيه جهدا
68
قلت: أنى الطعام للغربان؟
قال: أنى وأين ريب وعجز
ما لدنيا وساوس الإنسان
69
234
إن هذي القلوب تهدي لخير
كل حين ولا تباعد منه
إبر المغنطيس للقطب تهدي
أبد الدهر لا تحول عنه
235
من أذلته حاجة في معاش
هو أولى برحمتي من ملامي
المليم الذي يواتيه قوت
ثم يهفو إلى ذليل الطعام
236
على شاطئ البحر
قال لي البحر: ما يروقك مني؟
كل يوم تجول في شطآني
قلت: وسع المدى وغور بعيد
وجهاد على مرور الزمان
237 ت
قلت للبحر: ما تضمن بحر
من حياة وقيعة وجبال؟
قال لي البحر: ما تضمن فكر
واسع من حقيقة وخيال؟
238
الحياة والطبيعة
يا حبيسا بالدور خدن كتاب
قارئا من مقال كل عليم!
ابرزن للحياة واقرأ سطورا
ماثلات لعين كل حكيم
239 ت
يا أسير الظلال خلف جدار
شاحب اللون مثقلا بالهموم
ابرزن للرياح والشمس وامرح
وتفتح تفتح البرعوم
240
امض في العيش لا تعد أسيفا
ما مضى في الحياة من أعوام
لا تبل أن يكون يومك جزءا
من قليل السنين أو ألف عام
241
عاد من سفرة فقير مقل
حاملا للصحاب شتى الهدايا
70
كم كثير قد قللته خلال
وقليل قد كثرته السجايا!
242
على شاطئ البحر
أنا والبحر والفضاء وهمي
أبحر بعضها لبعض نجي
بيننا في الحديث أخذ ورد
ويخال الصحاب أني خلي
243 ت
تسكن النفس حين آوي إلى البح
ر وأفضي إليه بالأسرار
أسلام البحار يدخل قلبي
أم همومي تسيل نحو البحار؟
244
قلت للطائر المغرد ليلا:
لا تغرد فذاك وقت سبات
قال لي: يا جهول! إن حياتي
لا أراها أسيرة الأوقات
71
245
قالت النفس: قد علمت كثيرا
قلت: هذا الكثير نزر يسير
تملأ الكوز غرفة من محيط
فيرى أنه المحيط الكبير
246
تبسط النفس في فسيح البراري
وهي بحر على شطوط البحار
وأراها تضيق في ظل حبس
بين سقف وكوة وجدار
247
لست أخلو لراحة وسكون
وفرار من الأنام بنفسي
أنا أخلو لأهبة ومحال
آخذا للجهاد سيفي وترسي
248
الطير والإنسان
أكبر الظن أن طير السماء
برمات بهذه الضوضاء
تهرع الطير للعشاش مساء
وضجيج الإنسان بعد المساء
249
قتل إبليس
قال لي صاحب: سأقتل إبلي
س وأكفى وساوس الشيطان
قلت: أرجئ قتال إبليس لكن
أفرغ النفس من وساوس الإنسان
250
كل شيء يقظان حاشا الإنسان
غردت في صباحها الأطيار
فأصاخت عيونها الأزهار
أيها النائم الصباح تنبه
قد دعتك الأزهار والأطيار
251 ت
ذرت الشمس في ذرى الأكوان
وسرت في النبات والحيوان
كل شيء أراه يقظان لكن
أفسد النظم غفلة الإنسان
252
اسعين مصلحا ولا تأل جهدا
وارقبن في العباد رب العباد
ثم لا تبتئس بخيبة سعي
أو بما يفتريه أهل الفساد
253
لست آبى توفير مالي لدهري
باذلا منه في رخاء وبأس
إن يكن في يدي، وليس بقلبي
وهو ملكي، وليس يملك نفسي
254
ما على الناس لو أرادوا صلاحا
وسعوا في البلاد بالعمران
وتواصوا بكل حق وبر
وتآخوا على صروف الزمان!
255
الحرية
حد حرية الجماعة حتى
يحكم الفرد في هواه القيودا
إن حرية الجماعة فوضى
حين يعدو الآحاد فيها الحدودا
256 ت
قيد الحر نفسه برضاه
وأبى في الحياة قيد سواه
وترى العبد راضيا كل قيد
غير تقييد نفسه عن هواه
257
صلة الإنسان بالإنسان
قد عنينا بالناس حتى سألنا
كيف حال الأدنى وكيف البعيد؟
وعنانا الذي مضى من قرون
وعنانا من بعد جيل جديد
258 ت
نحن ركب الحياة، جيلا فجيلا
وصلتنا الخطوب والأزمان
ما سرت في حدائنا «أنا وحدي»
أو سرت فيه «بعدي الطوفان»
72
259 ت
نحن في ذي الحياة ركب سفار
يصل اللاحقين بالماضينا
قد هدانا السبيل من سبقونا
وعلينا هداية الآتينا
260
النغمات والألحان
قيل لي: أفتنا فهذا إمام
ذو تقاة يهيم بالنغمات
قلت: بعض اللحون عندي أذان
تملأ النفس دعوة للصلاة
161 ت
إن بعض اللحون برد نسيم
ينضح النفس في حرور الحياة
وهي في مهمه الحياة كنبع
لظماء يثر في الفلوات
262
أشعل النفس بالرجاء وأقدم
دركا لا تباله أو فواتا
كدت من نشوة الحياة أرجي
أن أوقي مشيبها والمماتا
263
أبصرن في الظلام بسمة فجر
وضياء الإيسار في كل عسر
كم ترى في الضحى شعاع ظلام
وتخاف الإعسار في كل يسر؟
264
قلت للشعر: ما نأى بك عني؟
قد أطلت المغيب عن أجوائي
قال: ما غاب عن ذراك شعاعي
اصقل النفس ثم قابل ضيائي
265
في مدينة كويتة من بلوخستان
قال لي طائر: نسجت نشيدي
من نسيم وظلمة وضياء
قلت: لكنني نسجت نشيدي
من رجاء وبسمة وبكاء
73
266 ت
زجرت كلبها وقد ذاق روثا
ودعته للعتب والتدليل
وإلى الروث راغ من بعد لأي
هازئا بالعناق والتقبيل
74
267 ت
قلت للسفر: ما صحبت كتابا
قيل: فاقرأ فكل هذا كتاب
اقرأن في الطريق سطرا فسطرا
عجزت عن مثيله الكتاب
268
في الطريق من كويتة في بلوخستان إلى يعقوب آباد في السند
رام قوم من التماثيل خلدا
لم ترشح فعالهم لخلود
وحبت أهلها الخلود فعال
دون شكل ممثل مشهود
269 ت
قال لي صاحب: طريق بعيد
وأرى غاية تفوت المسيرا
قلت إني أقيس ما قد قطعنا
قد بعدنا، فقد قربنا، كثيرا
270 ت
قلت للصحب والمرام بعيد:
أبعد الله من يهاب البعيدا
إنما البعد في العزائم لا الأر
ض، تزود للبعد عزما شديدا
271 ت
قلت للمطرب الحماسي مرحى!
أشعلن اللحون. تفديك نفسي
اجمع الحب والسيوف فقدما
رام لثم السيوف شاعر عبس
75
272 ت
اشفني باللحون تنفث نارا
إن في النغمة الذليلة دائي
اجعل اللحن قوة ومضاء
كصليل السيوف في الهيجاء
273
على بحر العرب وفي الطريق إليه
76
ذكرني إذا نسيت وغني
نغمات تهيج الشوق مني
وتبث الشرار بين خمودي
وتزيل الظلام والريب عني
274 ت
يسمع القلب كل حين نداء
من وراء الأسماع والأفهام:
أفن فيك الأيام لا تفن فيها
إنما منك دورة الأيام
275 ت
قلت للقرم وهو يطوي هجيرا
في هدير وعزمة وهيام:
ما وراء المسير؟ قال: مسير
إنما عيشنا لسير دوام
276 ت
لهدير البحار تصغي نجوم
في ضياء على البحار منير
هل أطلت هذي الكواكب يوما
لا ترى الوجه في مرايا البحور
77
277
أمل دائب وسعي دوام
ووميض الأفكار، معنى الحياة
يقظة العين للسبات ولكن
يقظة العمر ما لها من سبات
78
هوامش
صفحه نامشخص