وصلى الله على سيدنا محمد النبي الآتي ابلغ بيان وأكمل عظه. ورضي الله عن أصحابه الذين جاهدوا في الله باليد واللسان أشد الجهاد أغلطه، فنبهوا الغافل، وعلموا الجاهل، وردعوا الظالم، وبعثوا النائم عن غمرات الموت إلى اليقظة، وعن التابعين لهم بإحسان، الناصحين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولائمة المسلمين وعامة أهل الإيمان، الذين أخبر عنهم الصادق الامين صلى الله عليه وسلم أنهم "لايزالون على الحق ظاهرين إلى أن يأتي أمر الله"(¬2)، ولو اجتمع عليه الثقلان، الآتين من الحجة والبيان، والمدافعين بالسيف والسنان، أشد ذلك على الشيطان وأغيظه.
سبب تأليف الكتاب
وبعد:
فلما كان بيان ما التبس من الدين، والذب عن شرائع المرسلين، وحفظ عقائد المسلمين، مما أخذ الله فيه على العلماء الميثاق، وشدد فيه من العبد الوثائق، وذمهم أبلغ الذم على ترك البيان، ووبخهم غاية التوبيخ على نبذ الكتاب وراء الظهر، وبيعه بالقليل من الاثمان، وتوعد على السكوت والكتمان بتسعير النيران، وعلى ترك النصيحة بحرمان الجنان، والبعد عن جوار الرحمان. وكان في بعض هذا أبلغ رادع عن السكوت، وأتم قامع عن التغافل والخفوت. ووقع في بعض ما علم تحريمه بضرورة الدين، واستوى فيه علم اليقين وعين اليقين، تلبيس من كبير في الزمان، حيث أطلق فيه العنان، وكانت أكثر الطباع مجبولة على التقليد لفقدانه النظر السديد، وتعرفه الحق بالرجال، لا يميز الجائز والمحال، وكتب فيه من الهذيان والوسواس ما جاز بهرجه على كثير من الناس. وكان مما يجب على الانام، اعتقاد ما اشتمل عليه الكتاب والسنة من الاحكام. فمن استحل شيئا مما حرمه الله، عالما به، فخارج بإجماع عن الدين والإسلام، ولم يشترط العلم به، بل قال في باطل أنه حق وواجب أو لازم، وأنه كان في بعض العلماء الاعلام.
صفحه ۸۴