فإن قلت: ما معنى التضلع في العلوم، وكان اللفظ يقتضي عظمة إضلاعه فيها، وما لهذا معنى؟، وإنما العبارة المتداولة الدالة على الامتلاء (7=187/ب) من الشيء، أن يقال: تصلع من كذا لا تضلع فيه.(¬1)
قلت : هذا مما ينبغي عنه الأعراض، والمسامحة في حق الشيخ.
فإن قلت : ما معنى استنباطه الأحكام من قواعد العلم، والاحكام تستنبط من أدلتها التي هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس ونحوها، وإنما القواعد آلة للاستنباط.
قلت : وهذا أيضا مما ينبغي أن ينظر إلى مثله في هذا الكلام.
فإن قلت: من هؤلاء الطلبة التابعون، الذين لم يتضلعوا في العلم واستنباط الأحكام من قواعد العلم.
قلت: هم رؤساء العصر وفقهاء الزمان، النازلون من الدهر منزلة الأرواح من الأبدان، والنظر من عين الإنسان. فإن النازلة كانت في محفل مشهود، ومنهل مورود.
فإن قلت: فهذا إذن غض من نصابهم، وتنقص لجنابهم. على أنه لم نعلم منهم إلا اتباع الحق، والنطق بالصدق، مع أن القضية تشهد بثقوب أفهامهم، ورسوخ أقدامهم.
قلت: ما من القوم من تؤاخذه بمثل هذا العلم سنه، وتقادم نظره في مسائل الفقه وفنه، وكلهم يوقره توقير الآباء، لولا ما ظهر منه في هذه المسألة من الآباء. ولولا أنها تهدم من أصول الشرائع أصلا كبيرا، فلم يسمع من أحد منهم قليلا ولا كثيرا، ولبقوا كما كانوا تعزيزا وتوقيرا.
فإن قلت: وتضمن كلامهم أيضا فخرا على غيره بالتضلع في العلوم، واستنباط الأحكام من قواعد العلم.
قلت: لا شك ولا ارتياب أنه في طلب العلم شب شارب، ولكن العلوم منح الهية، ومواهب ربانية. وليس في كل أن تأتي على قدر الكبر والاكتساب، فالناس بين مكدود محدود، ومعان مجذود، ومقرب ومطرود. نسأل الله خاتمة السعداء وميتة الشهداء.
فإن قلت: مابالك لا تالو لمناقبه تصحيحا، وهو يغض من الحاضرين تارة تعريضا وتلويحا، وتارة تنصيص وتصريحا؟، فما حملك على ذلك؟.
صفحه ۹۸