مطالع التمام
مطالع التمام ونصائح الأنام ومنجاة الخواص والعوام في رد إباحة إغرام ذوي الجنايات والإجرام زيادة على ما شرع الله من الحدود والأحكام
ژانرها
فحاصل هذا الفعل أنه إذا لم يكن العدو طاليا للمسلمين وفيهم مسلمون، فلا يمرمون بالنار ولايغرقون، قولا واحدا إجماعا، وان كانوا طالبين لنا، لم نجد ملجأ للدفع إلا بما يخشى منه هلاك من معهم من المسلمين وهم قليل، فهذه هي التي جعلها التونسي محل نظر، وقال اللخمي فيها: أرجو. ومذهب مالك وأصحابه المنع. وأجاز أشهب أن يرموا بالنار أن رموا بها. وقال ابن شاس(¬1): "ولو تترس كافر بمسلم، وخفنا على أنفسنا، لم نرم، ولم نقصد الترس، لأن دم المسلم لا يباح بالخوف. ولو تترسوا في الصف، أن تركوا انهدم المسلمون، وخيف استئصال قاعدة الاسلام، أو جمهور المسلمين، وأهل القوة منهم، وجب الدفع، وسقطت حرمة الترس. والذي نقله ابن الحاجب: انه ان كان ترك الترس يؤدي إلى هلاك كل الأمة لا جمهورها، ففيه خلاف للشافعية، يتلخص أيضا أنه على القول بالدفع عند الاضطرار لا لقصد المسلم، وإنما يقصد الدفع، وأما قتل المسلم لاحياء أكثر منه، أو لجلب مصلحة لأكثر منه، لا على معنى الدفع عن النفس، فهذا لم يقل به أحد. أما القائل بالدفع فلا يقول بقصد المسلم بالقتل، وانما أباح الدفع، ولو أدى إلى قتل مسلم، كما يباح الدفع للباغي، ولو أدى إلى ذلك وقد يكون مراده بالبغي المال، وانتهاك حرمة دون النفس، والدافع لايقصد قتل الباغي، وإنما يقصد دفعه، فإن مات في أثناء الدفع".(¬2) والحاصل في هذا كله، أنه ليس في الشريعة قتل مسلم لاحياء مسلمين ولا أكثر، ولا بمصلحة من كان أكثر، وأما في الدفع عن النفس فأمر آخر. قال الامام القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله : "الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لايجوز، فكيف بالمسلم. وإنما كان ذلك في يونس عليه السلام مقدمة لتحقيق برهانه، وزيادة في إيمانه، فانه لا يجوز لمن كان عاصيا أن يقتل ولا أن يرمي به في النار والبحر، وإنما تجري عليه الحدود والتعزيز على قدر جنايته. وإنما وقفت السفينة وأشرفت على الموت، فقالوا: هذا من حادث فينا، فلم يتعين، فسلطوا عليهم مسبارا لأشكال، وهي القرعة، فلما خرجوا بالقرعة إليه مرة بعد أخرى، علم أنه لا بد من رميهم إياه، فرمى هو نفسه، وأيقن أنه بلاء من ربه، ورجا حسن العاقبة. وظن بعض الناس أن البحر إذا هال على قوم، واضطروا إلى تخفيف السفينة، أن القرعة تضرب عليهم، فيطرح بعضهم تخفيفا، وهذا فاسد، فإنها لا تخف برمي بعض الرجال، وإنما ذلك في الأموال، ولكنهم يصبرون على قضاء الله".
فتبين أنه لا حجة فيما جلبه على أخذ الخطايا، وليست مما يصح إقامة الدليل عليه، لمعارضة ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا على ما استطرده، وذكر من فساد الثلث في صلاح الثلثين.
صفحه ۱۸۷