لقرص الشمس الوجوب، واتصفت صلاة المغرب بالوجوب، نزلنا بشط نهر في غاية الاتساع، شديد الجري والدفاع، أكثر في الارتفاع من مائة ذراع، ويحاذيه مرج أفيح ومسرح ومشرح، وربيع يجول
فيه الطرف ويمرح، وهو بالقرب من آق كبرى ومعناه الجسر الأبيض بالعربيّة، وهو آخر ما كانت تحكمه الجراكسة وأول البلاد القرمَانيّة، فبتنا بشط ذلك النهر ليلة الأربعاء ثاني عشر الشهر، وهناك هواء شديد، وبرد ما عليه من مزيد، حتى خُيِّل لنا أن الشتاء عاد بأنوائه والبرد رجع بأدوائه، فاشتكت منه الأسنان ورجف الجنان، وقعدنا تحت الرعدة ننتظر الفرج بعد الشدة، ثم رحلنا منه:
والبدر يَجنحُ للغروب كأنه ... قد سلَّ فوقَ الماء سَيْفًَا مُذْهبَا
ثم برق من الفجر نوره، ولاحت من الصباح تباشيره، فسرنا في مخاضات وطلعات ونزلات (إلى أن ترافع النهار وتعالى، وتتابع حرّه وتوالى)، وقيّلنا ذلك النهار بمكان بشط بعض تلك الأنهار. ثم سرنا فجزنا على بساتين بها فواكه وزيتون، وشذى يفوح من أشجار زَيْزَفُون، ونزلنا بمكان به مياه ومرج، وبالقرب منه جبال من ثلج، فحصل فيه برد شديد وريح بارد، ومطر يقوى ويضعف لكنه متوال متوارد، فقطعنا تلك الليلة بين همل وهطل، وعطاء من السحب لا يكدره مطل، ورقصت القلوب لتصفيق الرياح، وفقدت النفوس الروح والخواطر الارتياح، وطال الليل مع أنه قصير الذيل، كما قال أبو المعالي الحظيريّ:
أقول والليل في امتدادْ ... وأدمعُ الغيثِ في انسفاحْ
1 / 99