بصلاتها مجموعة مع العصر، ثم رحلنا قاصدين الرَّسْتَن، وسرنا بعزمِ غيرِ مرتاب، وبسير يطوي البيد كطي السجل للكتاب، والحرّ قد قويت عزيمته واشتدت شكيمته.
والغبار الكثيف ألبس عطفي ... عسليًا ودينِيَ التوحيدُ
وكسى عارضيَّ ثوب مشيب ... ورداءُ الشباب غضُّ جديدُ
فوصلناها عندما سئِمت الشمس من الحَرور، وركنت إلى الاكتنان والوكور، وكاد قرصها في العين الحَمِئة يغور، فنزلنا بمرج أريج، ذي نبت بهيج، ومنظر فريج، يحتوشه العاصي من جانبيه، ويتوصل من جسر على عشر قناطر إليه، وهذا الجسر واسع الفناء، محكم البناء، قد أحكم بالبلاط الأسود تبليطه، وله جوانب عالية من حافيته تحوطه، والرَّسْتَن لها ذكر في الملاحم والفتن، وهي قرية على تل قاطع الجسر من جهة حِمْص، ثم هي الآن مأوى لكل سارقٍ ولص.
(رجع) فلما تنبه القمر بعدما رقد، واستنار من مشرقه واتقد، وأسنَّ حسامه المجلو وأحدّ، وآن تجلى الواحد الأحد، من ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد، لم يبق منّا بذلك المحل أحد، وسرنا نقطع مسافة البيداء، ونطوي شُقّتها طي الرداء، فبينا أنا أسير أمام القوم، وقد غلب عليهم النعاس، وحكم عليهم النوم، وإذا باثنين من السرّاق يظنّ أنهما من الرفاق، فوقف المملوك الماشي أمامي وحار، وخاف منهما وجبن وخار، فزبرته وزجرته ونهرته، ثم تقدمت إليهما وسلّمت عليهما لأسبر كنههما وأخبر من هما، وأنا محترز منهما قابضة يدي على الحُسَام، فألقيا إليّ
1 / 48