مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
ناشر
المكتب الإسلامي
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٤١٥هـ - ١٩٩٤م
ژانرها
فقه حنبلی
لَكَ بِخَيْرٍ، وَفِعْلُ الصَّلَاةِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَا تَقُولُ: صَلَّيْتُ اللَّهَ عَلَيْكَ، وَلَا لَكَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَاهُ. فَأَيُّ تَبَايُنٍ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا؟، وَلَكِنَّ التَّقْلِيدَ يُعْمِي عَنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ، فَإِيَّاكَ وَالْإِخْلَادَ إلَى أَرْضِهِ. قَالَ: وَرَأَيْتُ لِأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ كَلَامًا حَسَنًا فِي اشْتِقَاقِ الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ مَعْنَى الصَّلَاةِ اللَّفْظَةُ حَيْثُ تَصَرَّفَتْ تَرْجِعُ إلَى الْحُنُوِّ وَالْعَطْفِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مَحْسُوسًا وَمَعْقُولًا؛ فَالْمَحْسُوسُ مِنْهُ: صِفَاتُ الْأَجْسَامِ، وَالْمَعْقُولُ مِنْهُ: صِفَةُ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ مَوْجُودٌ فِي الصِّفَاتِ، الْكَثِيرُ يَكُونُ صِفَةً لِلْمَحْسُوسَاتِ وَصِفَةً لِلْمَعْقُولَاتِ. وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْأَجْسَامِ، وَمُضَاهَاةِ الْأَنَامِ، فَمَا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي مَعْقُولَةٌ غَيْرُ مَحْسُوسَةٍ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالصَّلَاةُ كَمَا تُسَمَّى عَطْفًا وَحُنُوًّا، مِنْ قَوْلِكَ: صَلَّيْتُ، أَيْ: حَنَيْتُ صَلَاكَ وَعَطَفْتَهُ: فَأَخْلَقَ بِأَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ تُسَمَّى عَطْفًا وَحُنُوًّا. تَقُولُ: اللَّهُمَّ اعْطِفْ عَلَيْنَا، أَيْ: ارْحَمْنَا.
قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا زِلْتُ فِي لِينِي لَهُ وَتَعَطُّفِي ... عَلَيْهِ كَمَا تَحْنُو عَلَى الْوَلَدِ الْأُمُّ
وَأَمَّا رَحْمَةُ الْعِبَادِ: فَرِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ، إذَا وَجَدَهَا الرَّاحِمُ مِنْ نَفْسِهِ انْعَطِفْ عَلَى الْمَرْحُومِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِلْعِبَادِ جُودٌ وَفَضْلٌ، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ فَقَدْ أَفْضَلَ عَلَيْهِ وَأَنْعَمَ، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ إذَا كَانَتْ مِنْ اللَّهِ، أَوْ مِنْ الْعَبْدِ فَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِعَلَى مَخْصُوصَةٌ بِالْخَيْرِ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَرَجَعَتْ كُلُّهَا إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، إلَّا أَنَّهَا فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالرَّحْمَةِ صَلَاةٌ مَعْقُولَةٌ أَيْ: انْحِنَاءٌ مَعْقُولٌ غَيْرُ مَحْسُوسٍ ثَمَرَتُهُ مِنْ الْعَبْدِ، الدُّعَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَثَمَرَتُهُ مِنْ اللَّهِ الْإِحْسَانُ وَالْإِنْعَامُ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ الصَّلَاةُ فِي مَعْنَاهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ ثَمَرَتُهَا الصَّادِرَةُ عَنْهَا. وَالصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ انْحِنَاءٌ مَحْسُوسٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَعْنَى فِيهَا إلَّا مِنْ
1 / 15