محاضرات عن مسرحيات شوقي: حياته وشعره
محاضرات عن مسرحيات شوقي: حياته وشعره
ژانرها
ومن البين أن الشخصية الأساسية في هذه المسرحية ليست «قمبيز»، وإنما هي «نتيتاس»، التي أراد شوقي أن يصور فيها الروح الوطنية التي أراد أن يحقق بها - كما قلنا - المشاركة الوجدانية، التي تضمن استجابة الجماهير؛ ولذلك يجدر بالناقد أن يتخذ هذه الشخصية أساسا لنقده وحكمه على المسرحية.
والواقع أن شوقي قد أراد أن يجسم الوطنية المصرية في شخصية «نتيتاس»، وأن يجعل منها ما يمكن أن يشبه باللؤلؤة التي لا تذوب في الأوحال؛ وذلك لأنه صور مصر عندئذ على حقيقتها من حيث الضعف والانحلال والإسراف في البذخ ، حتى «قتل النعيم حمية الشبان»، وأصبح جيش مصر نفسه خليطا من المرتزقة، وبخاصة من اليونان، الذين وصل أحدهم وهو فانيس، إلى رتبة القائد، ثم غدر بمصر وجيشها، وأفشى سرها إلى قمبيز، ثم التحق بالجيش الفارسي، ولكننا مع ذلك نلاحظ أن شوقي لم يستطع أن يصون صفاء هذه اللؤلؤة، ولا أن يوضح لنا سر نقائها، بل ولا أن ينحي عنها ما علق بها من أدران.
قدم لنا شوقي «نتيتاس» على أنها المصرية سليلة الفراعنة التي تفدي البلاد بنفسها، وتدفع عن مصر شر العجم، وتقي الوطن دنس الفتح وعاره، وتهتف دائما «تعيش مصر وتبقى»، ولكنه مع ذلك لم يوضح لنا كيف استطاعت «نتيتاس» أن تتغلب على حقدها الإنساني المشروع على قاتل أبيها الفرعون «أمازيس»، أو كيف استطاعت أن تتناساه، ولم يستخدم الصراع المؤثر الذي كان من الطبيعي أن يثور في نفسها بين الموجدة الشخصية وحب الوطن، وبخاصة وأن شوقي قد جعل لتلك الموجدة أعقابا تزكيها وتزيدها ضراما، حتى لتمس نتيتاس في أعز ما تملك الفتاة، وهو قلبها.
فشوقي يحدثنا أن «نتيتاس» كانت تحب «تاسو» حارس أبيها، وكان هذا الجندي يبادلها حبا بحب طالما ظل أبوها فرعونا لمصر، حتى إذا قتله «أمازيس» واغتصب منه العرش، تحول «تاسو» من «نتيتاس» إلى «نفريت» بنت فرعون الجديد؛ وذلك لأنه على حد قول شوقي:
يعشق الجاه والغنى
ولا يحب الغواني
فهو كالنحلة من زهر إلى زهر، وكالنعمة من قصر إلى قصر، ولم يستطع شوقي أن يهمل ما يثيره مثل هذا الغدر في «نتيتاس» من غيرة كاوية، فنراها تخاطب «تاسو» بقولها:
أقسمت لي فاذهب فأقسم لها
فأنت أهل للقسم الحانث
وإذا كانت هذه هي حالة «نتيتاس» النفسية، وهذا هو مبلغ نقمتها على «تاسو»، وغيرتها من «نفريت» الأنانية المحظوظة، أوما يكون القارئ أو المشاهد على حق في أن يشك في مدى نبل «نتيتاس»، وسيطرة روح التضحية والفداء الوطني على نفسها، مما يذهب بروعة بطولتها، ويضعف من عطفنا عليها وتحمسنا لها، وبخاصة وأننا لم نشهد معركة نفسية تدور في حناياها بين كل هذه العناصر المشتبكة المتضاربة من حقد على قاتل أبيها، وغيرة من ابنته، ويأس من غرامها المحطم، ثم شعورها الوطني واشتعال روح التضحية في نفسها، صراعا تخرج منه منتصرة مغلبة روح الوطنية النقية السامية على مشاعرها الشخصية، ومآسيها الخاصة بحيث تزداد عندئذ تضحيتها نبلا، وتزداد قلوبنا عليها حنوا!
صفحه نامشخص