كانت عائلة روبرت تمتلك متجر جيلمور آركيد لكنها لم تعش قط في جيلمور. لم تكن أمه وأخواته يعتقدن أن أحدا يستطيع أن يعيش أسبوعا واحدا في مكان كهذا. كان والد روبرت قد اشترى المتجر، ومتجرين آخرين في بلدتين قريبتين، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة. عين مديرين محليين للإشراف على تلك المتاجر، وكان يقود السيارة من تورونتو بضع مرات خلال العام ليرى كيف تسير الأمور.
لفترة طويلة، لم يكن روبرت مهتما على نحو كبير بأعمال والده المتعددة. حصل على شهادة جامعية في الهندسة المدنية، وكانت لديه فكرة عن إقامة المشاريع في الدول المتخلفة. حصل على وظيفة في بيرو، تنقل عبر أمريكا الجنوبية، وترك مجال الهندسة فترة ليعمل في مزرعة لتربية الماشية في كولومبيا البريطانية. عندما مرض أبوه، كانت عودته إلى تورونتو ضرورية. عمل في إدارة الطرق السريعة الإقليمية، في وظيفة هندسية لم تكن تتناسب مع رجل في مثل عمره. كان يفكر في الحصول على درجة علمية للسماح له بالتدريس وربما أيضا الاتجاه شمالا للتدريس للهنود، مغيرا حياته بالكامل، بمجرد وفاة أبيه. كان يقترب من عامه الأربعين آنذاك، وكان يخوض علاقته الثالثة مع امرأة متزوجة.
من حين إلى آخر، كان يتجه إلى جيلمور وإلى بلدات أخرى لمتابعة الأحوال في المتاجر. ذات مرة، جلب لي معه تلك المرأة المتزوجة الثالثة - والأخيرة، مثلما اتضح بعد ذلك - التي كان على علاقة بها. أحضرت غداء خفيفا للرحلات، وشربت مشروب بيمز في السيارة، وتعاملت مع الرحلة بأسرها باعتبارها نزهة سعيدة، مغامرة في الريف البدائي. كانت قد أعدت نفسها للمضاجعة في الحقول المفتوحة، واستشاطت غضبا عندما وجدت أنها مليئة بالماشية أو سيقان الذرة غير المريحة.
مات والد روبرت، وغير روبرت حياته، لكن بدلا من أن يصبح مدرسا ويتجه شمالا، جاء ليعيش في جيلمور لإدارة المتاجر بنفسه. وتزوج بيج. •••
كانت بيج قد تعرفت إليهما بمحض الصدفة.
ففي مساء الأحد، قرعت الباب الفلاحة التي كانت تبيع آل كايبر البيض.
وقالت: «آمل ألا تمانع في أن آتي بالبيض الليلة بدلا من صباح الغد ... يجب أن أصطحب زوجة ابني إلى كيتشينر لإجراء فحص لها بالموجات فوق الصوتية. أحضرت للزوجين ويبل البيض، أيضا، لكنني أظنهما غير موجودين. أتساءل عما إذا كنت لا تمانع في أن أترك البيض الخاص بهما هنا معك. يجب أن أرحل مبكرة في الصباح. لقد أرادت أن تقود السيارة بنفسها، لكنني ظننت أن تلك الفكرة ليست صائبة. إنها تقريبا في الشهر الخامس من حملها، لكنها لا تزال تتقيأ. أخبرهم أنهم يمكنهم أن يدفعوا مقابل البيض في المرة المقبلة.»
قال روبرت: «على الرحب والسعة ... لا توجد أدنى مشكلة في ذلك على الإطلاق. يمكن أن نذهب إليهما في الصباح ونعطيهما البيض. لا مشكلة على الإطلاق!» روبرت رجل رياضي المظهر، ممتلئ الجسد، ذو شعر متموج، يحول تدريجيا إلى اللون الرمادي، وعينين بنيتين براقتين. لطفه وكرم أخلاقه لافتان للنظر في كثير من الأحيان، مما قد يجعل الآخرين يشعرون أنهم محاصرون من جميع الاتجاهات. يفيده هذا الأسلوب كثيرا في جيلمور، حيث يتوقع أن تتكرر التأكيدات على الأشياء، وفي حقيقة الأمر تكون معظم المحادثات مكررة، وهذا تعبير متكرر عن النوايا الحسنة، دون مفاجآت. في مناسبات عرضية، عند الحديث إلى الآخرين، يخالجه شعور آخر، عائق، ولا يدري تماما ماهيته (ضغينة أم عناد؟) لكنه يبدو مثل صخرة في قاع نهر عندما يسبح المرء؛ فالماء الصافي يرفع السابح إلى أعلى بحيث يتجاوزها.
بالنسبة لشخص يعيش في جيلمور، تعتبر بيج شخصا متحفظا. اتجهت إلى المرأة وتناولت منها البيض الذي كانت تحمله، بينما ظل روبرت يؤكد على أنه لا مشكلة في ذلك على الإطلاق ويسألها عن حمل زوجة ابنها. ابتسمت بيج مثلما كانت تبتسم في المتجر عندما تناولك باقي النقود؛ ابتسامة تجارية سريعة، لا يوجد فيها أي شيء شخصي. بيج امرأة رشيقة القوام، قصيرة، ذات شعر بني ناعم، ذات بشرة بها نمش، وذات مظهر شاب ومهندم. ترتدي تنورات مكشكشة، وبلوزات جديدة مهندمة عالية الرقبة، وسترات فاتحة اللون، وفي بعض الأحيان رابطة عنق شريطية سوداء. تتحرك في رشاقة ولا تكاد تصنع أي صوت. أخبرها روبرت ذات مرة أنه لم يقابل أحدا على الإطلاق على هذا القدر من التحفظ. (كانت النساء اللائي يواعدهن عادة ثرثارات، متأنقات، وإن كن مهملات بشأن بعض التفاصيل، متوترات، مفعمات بالحياة، «مثيرات للاهتمام».)
قالت بيج إنها لم تعرف ماذا كان يعني.
صفحه نامشخص