كانت مريم، تلك المرأة الجميلة التي سميت فيما بعد بمريم الحبيبة، ومن قبل سماها القائد العسكري المتمرد شارون بمريم المجدلية، قبل أن تتركه وتنضم لجماعة الرجل، قالت له: أنا لا أرى شيئا.
وكذلك أكد بقية أصحابه أنهم لا يرون شيئا، قال لهم إن بإمكانهم أن يروا إذا أرادوا، وكانوا يريدون ولكنهم لا يرون شيئا، وقال لهم أشياء كان يقولها كثيرا، تخص الموت والحياة والإنسان وقدراته غير المتناهية. وفي تلك اللحظة هبت ريح خفيفة كانت بها ريشة طائر، هبطت الريشة على كتف أحد أصحابه وكان يقف قريبا منه؛ أي بينه وبين مريم الحبيبة. أخذ الريشة، لونها رمادي تميل للسواد، كانت أشبه بريشة غراب أو طائر سنبر صغير، قال لهم: إن الريشة هي الطائر.
وبينما كانوا مندهشين ينظرون، إذا به يرسم غرابا على الأرض، يضع الريشة في مكانها المناسب، بل الصحيح، تنمو بقية الرياش في أماكنها بالقرب من الريشة الأولى، تكتمل بنية الرياش؛ من ثم يظهر المنقار، القوائم، المخالب، إلى أن اكتمل الغراب، يبتسم، سألهم: هل منكم من يستطيع أن يجعل هذا الغراب يطير؟
قال رجل من الأعراب اسمه حامد: لا أظن أن أحدنا يستطيع ذلك.
فقال للغراب: طر.
فطار الغراب، حلق بعيدا، تقلب في الفضاء مستعرضا جناحيه وسواد أرياشه، نعق مخترقا السماء الصافية نحو الشرق إلى ما لا يدرون، إلى أن اختفى عن دائرة نظرهم جميعا، فقال لهم: إذا كان قد قال أي منكم لهذا الغراب كما قلت له لفعل، كل ما ينقصه هو كلمة: طر.
وقال لهم: إذا كانت الريشة تدري الكلمة لقالتها لنفسها، فجمعت أشلاء الجسد الذي كانت تنتمي إليه، استدعت دمها ونعيقها وروحها وطارت، لما انتظرت مجيئنا لحظة.
وظن الكثيرون أنه قد يعني بذلك أن الكلمة في الأحياء كما هي في الأشياء.
وقال لهم: أعدوا العدة للموكب.
وما كانوا حينها يدرون ما هو الموكب، ولكنهم أخذوا يعدون له العدة.
صفحه نامشخص