إبراهيم بن سعد بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر
الكناني نسبا، الحموي مولدا، الشافعي مذهبا، السلفي معتقدا، من ولد مالك بن كنانة، أبو إسحاق بن أبي الفضل مولده في يوم الاثنين منتصف رجب الفرد سنة ست وتسعين وخمس مائة بحماة، وتوفي والده في شوال من هذه السنة وعمرة ثلاثة أشهر، فرباه عمه الشيخ أبو الفتح نصر الله، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي عمه في ثالث صفر سنة ست عشرة وست مائة، فانتقل إلى دمشق، وأقام بها مدة يتفقه على الشيخ الإمام أبي منصور بن عساكر فقيه دمشق على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ويلازمه ويقوم بخدمته، وحج في سنة سبع عشرة وست مائة، وعاد إلى دمشق إلى شيخه المذكور، ثم بعد ذلك بمدة سافر إلى حماة، وقد حفظ نصف كتاب المهذب في الذهب، فاتفق ورود الشيخ القدوة عبد الرحيم المغربي إلى حماة فانقطع إليه، وترك المدارس إلى أن توفي الشيخ عبد الرحيم المذكور فأقبل بعد وفاته على الاشتغال بالحديث النبوي، وبعد ذلك قرأ الوسيط للغزالي جميعه دروسا، ودس بدار الحديث البشيرية بحماة، ودرس بمدرسة القاضي الإمام أبي الطاهر بن البارزي بحماة إلى أن حج في سنة ست وخمسين وست مائة، فلما عاد من الحج ترك التدريس بها، ثم إنه حج في سنة إحدى وستين وست مائة، وصام رمضان بمكة، فلما عاد ترك أيضا البشيرية، وأقام بدار الحديث الخطيبية إلى أن حج في سنة ثلاث وسبعين وست ماة، ثم إنه قصد من حماة زيارة البيت المقدس في ذي القعدة سنة خمس وسبعين وست مائة فاستصحب معه كفنه، وودع أهل البلد، وأخبرهم أنه يموت بالقدس، فوصل إليه، وأقام به أياما ثم مرض يومين، وتوفي في الثالث، وكانت وفاته في بكرة يوم عيد الأضحى المبارك من السنة المذكورة سنة خمس وسبعين وست مائة، وصلي عليه ضحى النهار بالمسجد الأقصى، ودفن بمقبرة ماملا إلى جانب الشيخ السيد القرشي رضي الله عنه، وتلا رحمه الله ليلة وفاته من أول القرآن إلى أن شرع في جزء الطلاق، وكان كثير التهجد، ملازما للاشتغال بالحديث، مواظبا على صيام ثلاثة أيام من الأسبوع، الاثنين والخميس والجمعة وكتب بخطه جامع الأصول لابن الأثير مرات، وكان يرويه عن الشيخ بن أبي الدم، قراءة عليه بسماعه من مصنفه، وكان عارفا بعلم أهل الطريق، حسن الكلام فيه، حلو المذاكرة بصيرا بذلك، إذا شرع فيه يفتح عليه، وإذا سمع الحاضرون كلامه يحصل لهم التواجد، والبكاء، والخشوع، والرقة، وكان شيخ الجماعة المنتسبين إلى الشيخ أبي البيان رضي الله عنه، أقام هو وأخوه مدة في المشيخة، فلما توفي أخوه في شعبان سنة خمس وست مائة، انفرد هو بذلك إلى حين وفاته، وكان يقصه الناس، ويلبسون منه الخرقة، ويتبركون به، وكان يذكر في ثلاث ليال من السنة، ليلة المولد الشريف النبوي، وليلة المعراج، وليلة النصف من شعبان، بجامع حماة يذكر في كل ليلة ما يتعلق بها، ويجتمع عنده خلق كثير، ويقصد من البلاد والقرى لسماع مجلسه وحضوره، وربما كثر الناس بحيث يجلسون على سطح الجامع، ولما رأى كثرة الناس نصب كرسيه على المنارة الشمالي، فكان يجلس عليه ليسمع الناس، وكان الحاضرون يكثرون البكاء والتواجد لسماع كلامه، وكان يقرأ الحديث النبوي بالجامع على منبر صغير في أيام الجمع قبل الصلاة، لم يزل كذلك إلى آخره عمره، وكان معظما مبجلا محببا إلى جميع الناس الخاصة والعامة، كثير الذكر إذا تكلم في باب من العلم أتى بأشياء حسنة، وفوائد جليلة في معنى ذلك من الكتاب والسنة وكلام السلف، يظهر على كلامه التأييد من الله تعالى، ولكلامه وقع وتأثير في قلوب السامعين، لا يمل جليسه من مجالسته لحلاوة لفظه، وعذوبة كلامه، وحسن منطقه، تغمده الله برحمته ونفعنا بمحبته آمين.
صفحه ۵