قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد البرزالي، رحمه الله تعالى: الحمد لله الذي خلق الإنسان، وشرفه بالنطق باللسان، وعلمه اللحن في القول والبيان، وخصه بفضائل تدرك بالبحث والامتحان، والحس والعيان، فسبحان الملك الديان، الرحيم الرحمن، الكريم ... على نعمه الجسيمة الحسان، حمدا كثيرا متجددا عن صروف السنين والأزمان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله يمحق الطغيان، ويمحو الأوثان، وكسر الصلبان، فنجا من اتبعه وصدقه من جحيم النيران، وأبدل بمنزله فيها منزلة من الجنة التي فيها عينان تجريان، ومن كل فاكهة تشتهى زوجان، وخازنها رضوان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الطاعة والإيمان، والمخصوصين بالبر والإحسان، المقتدى بهم ببيان قراءة القرآن والأحاديث النبوية في سائر البلدان، صلاة ... من الزلفى والرضوان، وتبيحهم أعلى الدرجات في عرصات الجنان. أما بعد، فإنه لما قدم علينا دمشق، حرسها الله، في محرم سنة ثلاثين وسبع مائة، الشيخ الأجل الثقة الأصيل أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان، وهو من ..... حفظه الله .... الميزان، فسمع منه طلبة الحديث الكهول منهم والشبان، وتساوى في سنده الآباء والولدان، والكبار والصغار والصبيان، وحدثهم عن شيوخ ذوي أسنان، قدماء مشاهير أعيان، كبراء القدر في هذا الشان، يعز حديثهم في هذا الوقت، وهذا الآوان، خصوصا في بلاد الشام، مثل دمشق، والقدس ، وعسقلان، فأحيا ربع الحديث بعد دروسه بأسانيد متان، وأحاديث صحاح، وعوال حسان، وعاد به عودة الذابل والذاوي، ناعما ذا ورق وأغصان، ونشر علم الحديث، بعد أن كان مطويا منذ زمان، فعاد من سنته إلى بلده، ومسقط رأسه، شاكرا لأهل دمشق وحامدا، وداعيا لهم بطول العمر والغفران، وناشرا ومثنيا عليهم بما أسدوه إليه من الكرامة، والسماحة، والإحسان، خاليا من كل الهموم والأحزان، فودعهم وهو كاره للفراق جذلان، ثم عاد راجعا إلى دمشق من سنته بأهله كرة ثانية، بأشباله كأنه السرحان، معتمدا على ما أولوه إليه أولا، وراجيا النزول بدار الحديث السلطانية الأشرفية، المعمورة، السعيدة، والإقامة بها، وطامعا حصول راحة من القرى كما يفعل بالضيفان، وأن يجري عليه القدر المرسوم له ولأمثاله، كل يوم من الديوان، يتناوله بعز وجاه، لا بذل وهوان، وأن يهتم به عند سفره بنفقة الطريق الموصلة إلى وطنه إنعاما من السلطان، فخاب عند قدومه سعيه، وانقطع عند المعاينة طمعه، وقال: لعن الله الشيطان، وأنزل أهله ............... وقال: كل ....... من الإقامة ذليل، ولا .... وعاد حسن ظنه الجميل إلى الخيبة، والحرمان، فلما لم ينل ما أمله تمثل: وقال مرعى ولا كالسعدان وصار له بالجوع بها إدمان وبعد الكسوة الفاخرة عريان ... طريقه لما قدم من بلده بمدينة حلب، وحران، ... أهل الفضل بالبلدين من أهل الحديث والقضاة المنتمين إلى مذهب الشافعي، والنعمان، وأن يقيم عندهم كي يستفيدوا منه، ومن روايته، ولو شهران، لا يلحقه ضيم بينهم، ولا عدوان، فلم يسمح بالمقام عندهم، وقال: فضلكم علي بكل موضع كنت، ومكان، فقصد هذا المنهل، ليروي غلته، وهو عطشان، فحيل بينه وبين الذي فارق من أجله الإخوان والأوطان، فهذا شرح حاله بلا زيادة ولا نقصان، فعاد إلى المنزل الذي أنزل به أهله، وهو ذاهل، ندمان، فأقام على هذه الصفة بدمشق .... مترددا بين الإقامة، والسفر وهو ... حيران، تارة يرجع إلى أولاده وهو غضبان، وتارة يبتسم في وجوههم وقلبه من الغيظ ملآن، فعزم على العودة إلى بلده وألا .... فأشار علي بعض .... والأصحاب، أن أجمع له جزءا لطيفا يشتمل على أحاديث عوال، إن أمكن أن تكون موافقة أو أكثرها إبدال، يصحبها معه في ظعنه إن صح له الترحال، فأجبته إلى ما سأل، ورأيت ذلك علي كمفترضات للأعمال، فنظرت فيما بلغني من شيوخه، وأحاط علمي برسوخه، فإذا عددهم عشرة بعتيقة بن وهبان، فاستخرت الله تعالى على ذلك، وبادرت مبادرة مجد لا كسلان، وناصح للإخوان، ومحب خالص لا يشوبه مين ولا نسيان، وجعلت الله عوني في جميع الأمور والأحوال، الذي يصل به إلى إرادته كل إنسان، واعلم يا أخي أن أهل الحديث على أقسام، فقسم منهم يسمع الحديث بواسطة ببلده أو غيره، وقسم يسمع بنفسه، وقسم يرحل به، وقسم يرحل بنفسه ويكتب ويسمع، فإذا انتهى وحصل مرغوبه جمع وخرج له ولشيوخه، فمنهم من يخرج لشيوخه العلماء والفضلاء، ومنهم من يخرج للأمراء والوزراء، ومنهم من يجمع لنفسه في أنواع من المسندات، والمعاجم، والكنى، والأسماء، ثم إذا عمر واحتيج إليه وإلى سنده إما أن يحدث ببلده، وإما أن يرحل إلى طالبيه في آخر عمره، فقد رحل أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي، إلى هراة، وأنزله أبو النضر عبد الرحمن الفامي، مؤرخها، فحدث بها بأكثر حديثه، وسمع بها منه عدد كثير، وكان محدث خراسان، ثم رحل أيضا بنفسه وحديثه إلى أصبهان، ومدينة السلام، فسعد هو برحلته، ومن لقيه فكثر أصحابه ....... قبله جماعة وبعده ... أبو القاسم الكروخي، وخرج إلى بغداد ومكة، وحدث ..... بالجامع جميع أبي عيسى الترمذي، وكذلك أبو صابر عبد الصبور بن عبد السلام التاجر، حدث بالجامع أيضا بهمذان، وبغداد، وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، خرج إلى ...... وحدث بطريقه باليزد، وأصبهان، والكرخ ...... السلام، ونفع الله به، ونفع من سمع منه، وكثر أصحابه .... وأدرك من الجاه والعز ما لم ينله غيره، قبله ولا بعده، وقعد بين يديه الأكابر، وذلك ببركة صحبته، وخدمته لشيخه عبد الله بن إسماعيل الأنصاري، ودعاء والده، وحدث بمسانيد مثل البخاري، والدارمي، ومنتخب عبد بن حميد، وقعد بين يديه الوزير السعيد عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، وقد خرج من بلاد العرب، إلى بلاد العرب جماعة كمن رجع من بغداد إلى الشام، على كبر حنبل بن عبد الله بن الفرج ... الرصافي، حدث بدمشق بمسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ..... محمد بن المعمر بن يحيى بن حسان أبي حفص المعلم، وحدث بدمشق وغيرها، وكان من المسندين المكثرين وسمعه أخوه أبو البقاء، فأكثر سماعه بواسطة، وثابت بن مشرف أبي سعد بن البناء، وحدث بدمشق ولم يعمر بها سوى ليلة واحدة، وعبد الله بن ... اللتي، وأبو البركات داود بن أحمد بن ملاعب، وحدثنا بدمشق، وآخرهم أبو عبد الله بن الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن عمرو بن مسلم الزبيدي، وشيخنا هذا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الإربلي، فله بها ولأبي أسوة ولي أيضا، بالمخرجين اقتداء، وأسوة الشيخ الأول (1) -[2] أخبرنا الشيخ العالم أبو علي الحسن بن علي بن الحسن بن عمر الأنصاري البطليوسي الأندلسي، قراءة عليه، في رابع صفر سنة ست وستين وخمسمائة، بمدينة السلام ببغداد، حرسها الله تعالى، قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الشحامي، قراءة عليه، قال: أنبا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن بن محمد الأديب، أنبا الحاكم أبو أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ، بقراءة أبي جعفر العزائمي، أنبا أبو بكر محمد بن مروان بن عبد الملك البزار، بدمشق، ثنا هشام، يعني: ابن عمار، ثنا مالك، يعني: ابن أنس، عن سمي، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره، فليعجل إلى أهله "
صفحه ۳