عاشرا: الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد لا يزيل الولاء بين المسلمين: ويرى أن الاختلاف في مسائل الاعتقاد لا يفرق الأمة، ولا يزيل الوحدة بينهم، ويبقي الولاء بين المسلمين، ويصلى المسلم المخالف لهم بصلاتهم ويحضر الأعياد معهم، بل إن الإمام ابن تيميه يمدح ويثني على المخالف المستحق للمدح من أشاعرة وصوفية وغيرهم ونجد في هذه المعاني عدة نصوص منها قوله في وصف السلف.: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة" (¬3). ثم يورد أدلة واستنباطات تدلل على ما ذهب إليه فيورد قصة أسامة بن زيد حيث قتل رجلا بعد ما قال: لا إله إلا الله، وعظم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لما أخبره وقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ(¬1). ومع هذا لم يوجب عليه قودا, ولا دية, ولا كفارة, لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا وحاميا لنفسه من القتل فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :(هلا شققت عن قلبه).
ومع قتال المسلمين بعضهم لبعض في قتال الفتن فانهم لم يكفروا من قاتلوه وهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } ( 9: الحجرات ) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه(أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك، وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا)(¬2).
صفحه ۵۷