( قوله لكان مكرها) أي مقهورا مغلوبا من أكرهته على الشيء إذا حملته عليه قهرا (قوله على ما صنعا) بضم المهملة مبنيا للمجهول أي لو لم يرد وقوع ذلك الشيء وصنعه صانع لوم أن يكون الله مقهورا على صنع ذلك الصانع حين كان وهو لم يرده (لا يقال) إن القهر لا يكون إلا إذا كان من لم يرد الفعل هو المحمول على فعله، أما إذا كان فاعله غيره فلا يكون مقهورا عليه (لأنا نقول) إن هذا الاعتراض لو سلم فإنما يتصور في حق من لم يملك كل الأشياء، أما في حق المالك للأشياء كلها فعدم نفوذ إرادته في جميع ممالكه قهرا له وغلبة عليه، مع أنا لا نسلم أنه إذا فعل الفعل أحد غير الذي لم يرده ليس بقهر في بعض المواضع بل هو قهر مطلقا، فإنه لا يتصور من أحد أن يتأخر عن نفوذ ما يريد إلا لمعنى يحاذره أو غرض يرجوه ومن كان كذلك فهو مقهور على خلاف ما يريد عاجز عن نفوذ إرادته.
(قوله لكن لذا التخيير واكتسابنا) الخ هذا استدراك على ما أمر لأنه قد يتوهم منه أنة كان الله مريدا لكفر الكافر وإرادته نافذة وهو خالق لفعله أن يكون العبد مجبورا على فعله, فدفع ذلك التوهم بهذا الاستدراك 0
(وحاصله) أنه تعالى خيرنا في فعل الخير والشر وبين لنا عاقبة الأمرين ((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين))([2]) الآية وجعل لنا قدرة على اكتساب أيهما شئنا لا على خلقه, فإنه هو الذي يخلقها فينا حال اكتسابنا له, وبهذا التخير وهذا الاكتساب ارتفع الاتصاف بالجبر فلا نقول إنه مجبر لنا على فعلنا وفوق ما ذكرنا إنا قد أمرنا بالكف عنه وترك الخوض فيه ((لا يسأل عما يفعل وهم يسألون))([3]) على أنا نعلم أنه هو الخالق لفعلنا والخالق لقدرتنا التي نكتسب بها والخالق لاختيارنا الذي اخترنا به سلوك إحدى الطريقين، ومع هذا كله فلا نقول إنه جبرنا على فعلنا, وإنما نقول إنه نشأ باختيار منا واكتساب لنا فإن رحمنا فبفضله وإن عذبنا فبدله.
صفحه ۱۸۳