فقط لكن التخيير بين المرتين والثلاث ليس مما ينبغي لعدمه في الرويات فالأولى تعيين الثلاث وكلام المرتضى (ره) موافق للرواية الأولى وكلام المنتهى والفقيه والسرائر موافق لما في المقنعة لكنه أحسن من حيث ترك التخيير والعلامة (ره) في المنتهى استدل على ما ذكره فيه بالرواية الثانية ولا يخفى ما فيه لعدم انطباقها عليه أصلا هذا ثم إن الأصحاب ذكروا أنه إذا وجد بللا بعد الاستبراء فلا يلتفت إليه ويكون طاهرا غير ناقض للوضوء ولو وجد بدونه كان حكمه حكم البول وقد ادعى ابن إدريس في السرائر الاجماع في الموضعين والروايات أيضا دالة عليه لكن في بعض الروايات مظنة مناقضة للحكمين وسنفصل القول فيه إنشاء الله تعالى في مبحث استبراء المجنب (والجمع بين الحجارة والماء) هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ويدل عليه مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة في بحث جواز الاستجمار والظاهر أن استحباب الجمع متحقق فيما تعين فيه الماء كما في صورة التعدي وفيما يجزي الاستجمار لاطلاق الرواية وكلام الأصحاب وقد صرح في المعتبر بالتعميم وكذا في غيره أيضا والظاهر أيضا أن في صوره الجمع يقدم الحجارة للتصريح به في الرواية ولما فيه من تنزيه اليد عن مباشرة النجاسة (واختيار الماء حيث يجزي الاستجمار) هذا الحكم أيضا مشهور بين الأصحاب وتمسك فيه بأنه أقوى المطهرين وأبلغهما في التنظيف وبما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لبعض نسائه مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ويبالغن فإنه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب ارتياد المكان وفي الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء وبقوله (عليه السلام) إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء كما نقلناه في بحث الاستجمار ووجه الدلالة انه (عليه السلام) علق الاستجمار بعدم الماء فيجب أن يكون محمولا على الندب لما بين من جوازه مع وجود الماء وبما رواه التهذيب أيضا في باب آداب الاحداث في الزيادات في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا معشر الأنصار أن الله قد أحسن عليكم الثناء فماذا تصنعون قالوا نستنجي بالماء وبما رواه في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في قول الله عز وجل إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين قال كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ثم أحدث الوضوء وهو خلق كريم فأمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنعه فأنزل الله في كتابه إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ويشعر به أيضا صحيحة زرارة المتقدمة في بحث الاستجمار من قوله (عليه السلام) ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار وكذا مواثقة عمار المتقدمة في ذلك المبحث أيضا ولما كان المقام مقام الاستحباب لا يضره إمكان المناقشة في الدلايل قال صاحب المدارك (ره) في هذا المقام وأورد على هذا الحكم أن الإزالة واجبة أما بالماء أو بالأحجار وجوبا تخييريا فكيف يكون أحدهما أفضل بل قد صرحوا في مثل ذلك باستحباب ذلك الفرد الأفضل ومنافات المستحب للواجب واضحة وأجيب عنه بأن الوجوب التخييري لا ينافي الاستحباب العيني لان متعلق الوجوب في التخييري ليس أمرا معينا بل الامر الكلي فتعلق الاستحباب بواحد منهما لا محذور فيه و فيه نظر فإنه إن أريد بالاستحباب ها هنا المعنى العرفي وهو الراجح الذي يجوز تركه لا إلى بدل لم يمكن تعلقه بشئ من أفراد الواجب التخييري وإن أريد به كون أحد الفردين الواجبين أكثر ثوابا من الاخر فلا امتناع فيه كما هو الظاهر انتهى وأنت خبير بأن ما ذكره آخرا من النظر منظور فيه لان كون طبيعة واجبة مثلا وكون خصوص فرد منها مستحبا مما لا خفاء في صحته وما عرض له من أشبهه من أنه لا يجوز تركه لا إلى بدل فكيف يكون مستحبا فمندفع بأن التحقيق إن الواجب ما يكون تركه سببا لاستحقاق العقاب لا تركه لا إلى بدل لان ما يكون له بدل ليس هو بواجب في الحقيقة بل الواجب أحدهما فزيادة هذا القيد في تعريف الواجب أما بناء على هو المتراءى في أول الوهلة أو غفلة عما هو الحق أو يكون المراد منه ما هو المراد بقولهم بوجه ما فتعريف الواجب ليدخل الواجبات المشروطة وعلى هذا لا يكون الفرد واجبا بل الواجب هو الطبيعة لان ترك الفرد ليس سببا لاستحقاق العقاب بل السبب إنما هو ترك الطبيعة فيمكن استحبابه وهو ظاهر والاشكال بأن الفرد متحد مع الطبيعة فيكون واجبا بوجوبها فكيف يكون مستحبا فعلى تقدير تسليم الاتصاف بالوجوب بالعرض مدفوع بما ذكرنا فيما سبق من جواز اجتماع الوجوب والندب باعتبارين واعلم أنه لا حاجة لنا إلى إثبات أن الواجب بالأصالة هو الطبيعة دون الفرد إذ على تقدير أن يكون الفرد أيضا واجبا بالأصالة يمكن دفع الايراد بالتمسك بالاعتبارين لكن لما لم يقع مثل هذا في الشريعة أي ورود الامر الايجابي والندبي في شئ بخصوصه باعتبارين وإن كان صحيحا بحسب العقل فلذلك تعرضا بالاثبات أن الواجب بالأصالة هو الطبيعة فتدبر والاستنجاء باليسار هذا الحكم بناء على كراهة الاستنجاء باليمين كما سيجئ إنشاء الله تعالى ويتوقف على كون ضد الخاص للمكروه مندوبا وهو محل كلام وأيضا لا وجه لتخصيص ضد هذا المكروه بالذكر والحكم عليه بالاستحباب بين أضداد المكروهات التي سيذكرها إلا أن يقال لعله فهم الاستحباب من موضع آخر لا من كراهة الاستنجاء باليمين مثل ما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب أن يجعل اليمنى لما علا من الأمور واليسرى لما دنى ونحوه (وتقديم الدبر يدل عليه ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي قايما يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل فقال بالمقعدة ثم بالإحليل وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب القول عند دخول الخلاء وقد علل بعضهم في الحكم بأنه لعدم نجاسة اليد عند الاستبراء (ويكره استقبال قرص الشمس والقمر في البول والغايط لا جهتهما) يدل عليه ما رواه التهذيب في الباب المذكور في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
صفحه ۸۱