والعنب والتين من الحاصلات المشهورة في لبنان أيضا، لا تخلو قرية من كروم هذين النوعين، والتين اللبناني لذيذ الطعم لعله أحسن أنواع التين في الوجود. وأما العنب فأشكاله كثيرة وكرومه واسعة لا تخلو منها بقعة، حتى إن جملة هذه الكروم لا تقل مساحتها عن 21520 دنما أو نحو 5380 فدانا، ومقدار العنب الذي يخرج منه كل سنة لا يقل عن ثلاثة ملايين أقة، ومقدار الخمور التي تستخرج في لبنان من العنب يزيد عن 160 ألف أقة.
الهواء:
اشتهر لبنان من قدم بجودة هوائه وطيب مائه، وشهد له الأطباء الحديثون من أهل الشرق والغرب بذلك، حتى إن كثيرا من السائحين يفضلونه على أقطار أوروبا؛ بسبب اعتداله وقلة أمطاره في الصيف، وظهور الفصول الأربعة فيه ظهورا واضحا، وفيه ما بين السهول البحرية وقنن الجبال العليا كل درجة من الحر تطلبها النفس، فسواحله تصلح للشتاء، وأعاليه للصيف، وأواسطه في الربيع والخريف من أجل مثابات الوجود، ولا حاجة إلى القول بأن لبنان أصلح من غيره للشرقي؛ لما أن حالته ومأكولاته أقرب إلى الذوق الشرقي، وله مزية على مصايف أوروبا في أنه ليس فيه دواعي الانهماك والإتلاف الكثيرين، بل إن المصطاف يستعيض عن حانات أوروبا وكازيناتها بهذه العيون والجداول والينابيع والأحراش التي تشرح الصدور بمنظرها ويشفي ماؤها من السقام، هذا غير أن الغش في مأكولات لبنان وخضرها وفاكهتها غير معروف على طريقة بعض المصايف الأوروبية. وفي كل قرية من قرى لبنان الآن بيوت حسنة نظيفة يمكن استئجارها، وفي المصايف المشهورة، منها بيوت مفروشة وفنادق حسنة، مثل فنادق أوروبا في إتقانها، وأجرة المنازل في بعض القرى رخيصة جدا، ولكنها معتدلة في المصايف المشهورة، وهي:
عالية:
قرية جميلة في قضاء الشوف، بنيت على قمة جبل مثل أكثر القرى المشهورة في لبنان، وعلوها 820 مترا عن سطح البحر، يمكن الوصول إليها بسكة الحديد من بيروت أو بالعربات، وقد أصبحت مدينة صغرى جميلة الطرق والمساكن بعد أن تهافت الأكابر وبعض النزلاء الأجانب على بناء البيوت فيها، من نحو 25 سنة، وكثرت حوانيتها وحاناتها وفنادقها، منها فندق بحار اشتهر بحسن الخدمة وإتقان الطبخ، وأكثر أغنياء بيروت الذين ليس لهم بيوت في عالية يقضون بعض الصيف فيه، وقد أضيف إليه ناد مشهور يقصده الرجال والسيدات من بيروت والقرى المجاورة في كثير من ليالي الصيف، وأجرة الإقامة في هذا الفندق 8 فرنكات في اليوم، وقد تكون أقل إذا طال زمان الإقامة، وأجمل منه في الموقع والبناء فندق القصر (بالس هوتل) أصله قصر لسري من آل بسترس، وقد بني على رأس القمة فوق عالية، وأحيط بحديقة حسناء، فهو يشرف على البحر وجزء كبير من لبنان، ومنظره في غاية الجمال، وقد جروا في بعض السنين الأخيرة على إقامة حفلات الرقص في هذا الفندق الجميل، وأجرة السكن فيه من 8 فرنكات إلى 10 في اليوم. ويحيط بعالية قرى مثلها في الجمال وجودة الهواء ولو أنها أقل منها شهرة، مثل عين الرمانة يتفجر الماء الزلال من صخورها فيجري بين أشجار الصفصاف، ومن حوله الناس يتفرجون ويعجبون، وعند نبعه قهوة يأتي الناس منها بالأراكيل (الشيشة) ويضعونها في مجرى الماء، ويزينها لهم صاحب القهوة ببعض الأغصان والأزهار، وتبعد هذه المثابة ثلث ساعة عن عالية. ومثلها عين الجوزة وهي على مسيرة ساعة من عالية، وماؤها يجري تحت شجر الجوز الباسق الكبير، وهو من الأشجار التي تعمر كثيرا، والذي يجنى من ثمرها غير قليل.
مكين:
تبعد نصف ساعة عن عالية، وفيها فندق حجار يشرف على الطريق والوادي من أمامه والجبل الشاهق من ورائه، كسي بشجر الصنوبر، والمصطافون هنا يقصدون عين السيدة في أواخر النهار، حيث يجدون قهوة ومعدات الخدمة، وهذه العين واقعة في بقعة شهية بين عالية ومكين، ومركز هذه القرية متوسط بين كثير من المصايف المشهورة، وهواؤها غاية في الاعتدال.
سوق الغرب:
قرية تكاد تكون ملتصقة بمكين، والذي يقصدها من جهة عالية يظنها جزءا من القرية المذكورة؛ لأن البناء متواصل ما بين الجهتين وتخترقهما طريق واسعة للعربات أقيم على طولها حاجز من الحجارة المتينة إلى ناحية الوادي؛ حتى لا تتدهور فيه بعض العربات وهي مسرعة في النزول. وفي سوق الغرب مدارس للأميركان داخلية وخارجية، وسوق صغيرة وكنيسة جديدة باسم مار جرجس للروم الأرثوذكس، جميلة الوضع، وقد عني ببنائها نيافة المطران جراسيموس مسرة مطران بيروت، وفيها متنزهات طبيعية من كل جانب، وقد بنيت قهوة شملان في ضواحيها فوق صخر يظنه الرائي على وشك أن يهوي إلى الوادي الكائن تحته. وقد بني في سوق الغرب فندق جديد اسمه نزهة لبنان، أتقنت معداته وامتاز بجمال موقعه واهتمام صاحبه لراحة المسافرين، وإلى جانبه غابة من شجر الصنوبر العطر يجلس الناس تحت غصونها ويتناولون القهوة على مهل. ومن أجمل المتنزهات التي يقصدها أهل سوق الغرب عين حمانا، يرغب الناس في انتيابها والتلذذ بمنظرها، فطريقها لا تخلو من الذاهبين إليها والآيبين، ويمكن الوصول من هذه القرية إلى عبية بالعربة؛ فإنها تبعد عنها ساعة واحدة، وهي من القرى المعروفة اشتهرت بمدرسة للأميركان عالية، هذبت عددا كبيرا من رجال سورية في أواسط القرن الماضي وأواخره، ثم استعاض الأميركان عنها بالمدرسة الكلية الشهيرة في بيروت. وهواء عبية وما حولها قليل الرطوبة يشبه هواء بحمدون، فهو مفيد لصحة الأبدان.
صوفر:
صفحه نامشخص