فنحن نموت وقت اليأس، حين نخاف من المستقبل وتذهب آمالنا فيه، وعندئذ نحلم بالماضي ونجتر ذكرياتنا؛ إذ لا يبقى لنا من آثار الحياة غيرها، وكثيرا ما نجد أعراض هذا الموت بادية على وجوه الذين أقيلوا أو استقالوا من عملهم، وكأنهم قد استقالوا من الحياة، فهم راكدون هامدون وكأنهم أشخاص منتهون.
ونحن نموت حين نكره التطور، فلا نستطلع، ولا ندرس، ولا نخترع، بل نجمد ونقنع كأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان، وكثيرا ما نرى أعراض هذا الموت على أقصاها في رجل قد تغلغل فيه الموت حتى ليكره مغادرة مدينته إلى مصيف أو مشتى لقضاء بضعة أسابيع، بل هو أحيانا يكره أن يقرأ كتابا خشية أن يتغير به مذهبه في الدنيا.
وأحيانا نموت حين نحيا الحياة السلبية، نحجم ولا نقدم، ونكف ولا نقبل، ونتجنب المخاطرة، ونقول: «لا» لكل ما يخالف عادتنا ومألوفنا. فنعيش في نسك ولكن دون أن نحيا.
ونموت أيضا حين نقول: لا جديد تحت الشمس. فلا نأخذ بجديد ولا نبالي اكتشافا أو اختراعا، ولا نؤمن بارتقاء، ولا نكافح شرا، بل نحافظ على قديمنا إيمانا بأن كل جديد هو قديم.
ونحن نبرر هذا الموت في حياتنا بالقناعة أو التواضع. إننا يجب أن نكون حيويين في حياتنا نحياها على مستوياتها وقممها العالية، فلا نرضى فيها برخيص ولا نقنع منها بقليل، بل نهدف إلى العالي والغالي، والرخيص هو القنوع بالمال والمقام ولذة الحيوان، والعالي الغالي فيها هو ارتقاء أذهاننا بالدراسات والاختبارات حتى يزداد وجودنا وجودا.
الفصل الحادي عشر
اطلب الدلالة
هل هو رجل يدل؟
هل هو كتاب يدل؟
يجب أن ننشد الدلالة فيمن نصادق من الناس أو نقرأ من الكتب.
صفحه نامشخص