وهنا يقبل أبو مسلم على أحد أصفيائه فيقول له من غير أن ينخدع: «يا مالك، أما تسمع ما يقول لي هذا؟ ما هذا بكلامه يا مالك.»
فيقول له صاحبه موافقا: «لا تسمع كلامه ولا يهولنك هذا منه، فلعمري لقد صدقت، ما هذا بكلامه، ولما بعد هذا أشد منه فامض لأمرك ولا ترجع، فوالله لئن أتيته ليقتلنك، ولقد وقع في نفسه منك شيء، لا يأمنك أبدا.»
ثم يأمرهم بالقيام فينفض المجلس، ويرسل أبو مسلم إلى «نيزك» فيعرض عليه الأمر، فيشير عليه أن يقيم بالري ولا يذهب إلى أبي جعفر، ويقول له: «فيصير ما بين خراسان والري لك، وهم جندك ما يخالفك أحد، فإن استقام لك استقمت له، وإن أبى كنت في جندك وكانت خراسان من ورائك، ورأيت رأيك.»
ثم يرسل أبو مسلم إلى أبي حميد رسول أبي جعفر ليبلغه رفضه نصيحته، ويقول له أبو مسلم: «ارجع إلى صاحبك فليس من رأيي أن آتيه.»
فيقول له أبو حميد مدهوشا: «أعزمت على خلافه؟» فيقول له أبو مسلم: «نعم» فيقول له أبو حميد: «لا تفعل.»
ويدور بينهما حوار يتمثل في دهاء أبي حميد ويقظة أبي مسلم، فيلجأ أبو حميد إلى إظهار عاقبة المخالفة وما ينتج عنها من النتائج الخطيرة، فيبدو الوجوم على وجه أبي مسلم، ويتردد في قراره، ثم يصرف عنه أبا حميد.
ولا يفوت أبا جعفر أن يتقرب إلى أنصار أبي مسلم وأعوانه الأشداء بكل وسيلة، فيبعث إلى «أبي داود» خليفة أبي مسلم بخراسان: «إن لك إمرة خراسان ما بقيت.» فيصبح بهذا الوعد من أشد أنصار الخليفة المتحمسين لطاعته، فيكتب إلى أبي مسلم: «إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله وأهل بيت نبيه
صلى الله عليه وسلم ، فلا تخالفن إمامك ولا ترجعن إلا بإذنه.» ويوافيه كتاب أبي داود وهو على هذه الحال من التردد والقلق فيزيده رعبا وهما، فيبعث إلى أبي حميد فيقول له: «إني كنت معتزما على المضي إلى خراسان، ثم رأيت أن أوجه أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين فيأتيني برأيه فإنه ممن أثق به.»
فإذا ذهب أبو إسحاق - الذي يثق به أبو مسلم - إلى الخليفة أبي جعفر تلقاه الخليفة بالبشر والترحيب وأجازه ورغبه بكل وسائل الترغيب، وقال له: «اصرفه عن وجهه ولك ولاية خراسان.»
فيعود أبو إسحاق ووجهه طافح بالبشر لما لقي من عطف الخليفة ولما ظفر به من جائزة ووعد، فيقول لأبي مسلم: «ما أنكرت شيئا، رأيتهم معظمين لحقك يرون لك ما لا يرون لأنفسهم ...» ثم يختم كلامه بنصحه أن يذهب إلى أبي جعفر فيعتذر إليه مما كان منه.
صفحه نامشخص