أما بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء. وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.
في العراء
وقد أنفذ «الحر» وصية ابن زياد وأخذ الحسين ومن معه بالنزول في ذلك المكان - على غير ماء ولا في قرية - وعبثا حاولوا أن يسمح لهم بالنزول في مكان آخر، فقد أصر على إنفاذ أمر مولاه ولم يحد عنه قيد أنملة.
قالوا له: «دعنا ننزل في هذه القرية - يعنون نينوى - أو هذه القرية - يعنون الغاضرية - أو هذه الأخرى، يعنون شفية.»
ولكنه أبى أن يسمح لهم بذلك وقال: «ما أستطيع ذلك! هذا رجل قد بعث إلينا عينا.»
ومن العجيب أن هذا الرجل الذي يشتد في إنفاذ أمر مولاه ابن زياد، ويأبى إلا التضييق على الحسين - بكل ما أوتي من قوة - فلا يسمح له بالنزول في إحدى القرى القريبة، ويظل محاصرا الحسين حتى يسلمه إلى أعدائه.
نقول إن من أعجب الأعاجيب أن هذا الرجل سينقلب نصيرا للحسين - بعد فوات الوقت - وأن يقتل بين يديه مجاهدا في سبيله، بعد أن أوقعه في الفخ وضيق عليه مسالك الأرض الرحيبة. وكم يسخر القدر من الناس!
نصيحة
والتفت زهير بن القين إلى الحسين فقال: «يا ابن رسول الله، إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا بعدهم. فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به.»
فقال الحسين: «ما كنت لأبدأهم بالقتال.»
صفحه نامشخص