قصة مقتله واستشهاده
الذي يظهر من تاريخ حياة الشهيد- كما مر في ترجمته لنفسه- انه كان محاطا بالأعداء والحساد الذين يتربصون به الدوائر حتى انه كان يخفي علمه وآثاره القيمة خوفا من اثارة حسدهم أو اطلاعهم على ما يمكنهم الاحتجاج به عليه وتعكير الجو وإغفال العامة والغوغاء واثارتهم ضده. ولعل أشدهم عداوة له القاضي معروف. وقد مر في ترجمته أيضا أنه لم يستنجز منه- كما كان هو المعتاد- حين سفره الى قسطنطنية ولم يأخذ منه عرضا- حسب تعبيرهم- ومع ذلك حصل على المرسوم الصادر بنصبه مدرسا في المدرسة النورية ببعلبك. وبذلك انقطعت عنه محاولات الأعداء للحط من كرامته، وتألق نجمة في سماء العلم والتدريس والمرجعية، ودانت له الرقاب مما أحج نار الحقد والحسد في قلوب مناوئيه وفي مقدمتهم القاضي معروف فدبروا له المكائد. يقول ابن العودي حول أيام مرجعيته في بعلبك:
«كنت في خدمته في تلك الأيام، ولا أنسى وهو في أعلى مقام ومرجع الأنام وملاذ الخاص والعام ومفتي كل فرقة بما يوافق مذهبها ويدرس في المذاهب كتبها. وكان له في المسجد الأعظم بها درس مضافا إلى ما ذكر وصار أهل البلد كلهم في انقياده ومن وراء مراده بقلوب مخلصة في الوداد وحسن الإقبال والاعتقاد. وقام سوق العلم بها على طبق المراد ورجعت اليه الفضلاء من أقاصي البلاد ورقي ناموس السادة والأصحاب في الازدياد، وكانت عليهم تلك الأيام من الأعياد.» (1).
وقال بعد انتهاء ترجمة الشهيد لنفسه وذكره لرجوعه إلى بلده واشتغاله إلى سنة خمس وخمسين بالدرس والتصنيف: «وهذا التاريخ كان خاتمة أوقات الأمان
صفحه ۳۵