يمتدح به ذلك الرجل العظيم الذي لم يمنعه شدة التعصب والشنآن الذي أبداه بعض جهلة العامة المتفقهين والمتلبسين لباس أهل العلم والدين من الكد والسعي والاغتراب في سبيل تحصيل العلم أينما وجد فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها.
وإليك فيما يلي بعض ما جادت به قرائح المترجمين له- (قدس الله نفسه الزكية)-:
أما تلميذه ابن العودي فقد ملأ رسالته المزبورة بالثناء على الشهيد، ولا غرو فإنه كان من أقرب الناس اليه وكان يتمتع ويحظى بالتشرف لديه والاستضاءة بنوره فقال فيما قال:
«وبالجملة فهو عالم الأوان ومصنفه، ومقرظ البيان ومشنفه بتآليف كأنها الخرائد وتصانيف أبهى من القلائد، وضعها في فنون مختلفة وأنواع، وأقطعها ما شاء من الإتقان والابداع، وسلك فيها مسلك المدققين وهجر طريق المتشدقين، ان نطق رأيت البيان منسربا من لسانه، وإن أحسن رأيت الإحسان منتسبا الى إحسانه، جدد شعائر السنن الحنيفية بعد إخلاقها، وأصلح للأمة ما فسد من أخلاقها، وبه اقتدى من رام تحصيل الفضائل واهتدى بهداه من تحلى بالوصف الكامل، عمر مساجد الله وأشاد بنيانها ورتب وظائف الطاعات فيها وعظم شأنها، كم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وكم أرشد من صلى وصام وحج واعتمر.
كان لأبواب الخيرات مفتاحا وفي ظلمة عمى الأمة مصباحا. منه تعلم الكرم كل كريم وبه استشفى من الجهالة كل سقيم واقتفى أثره في الاستقامة كل مستقيم، لم تأخذه في الله لومة لائم ولم يثن عزمه- عن المجاهدة في تحصيل العلوم- الصوارم، أخلصت لله أعماله فأثرت في القلوب أقواله.
أعز ما صرف همته فيه، خدمة العلم وأهله، فحاز الحظ الوافر لما توجه
صفحه ۲۴