فإن هؤلاء الفلاسفة يقولون بوجود (حوادث لا أول لها)، وبأن كل حادث مسبوق بحادث، وأن الحركة الفلكية متسلسلة، وإنما يبطلون التسلسل في العلل والمعلولات، وأما التسلسل في الشرط والمشروط، فلا يبطلونه، وهذا التسلسل ليس من قبيل تسلسل العلل والمعلولات، بل هو من باب تسلسل الشرط والمشروط، فهذا كتوقف الحادث الثاني على الحادث الأول.
فلم قلتم: إن العالم لم يتوقف على (حوادث لا أول لها) لسبب من العالم؟
أو لم قلتم: إن الأفلاك متوقفة على (حوادث لا أول لها) خارجة عن الأفلاك؟
فإن قالوا: يلزم على الأول قيام الحوادث بذات القديم.
قيل لهم: ليس هذا باطلا على أصلكم. فإن الأفلاك عندكم قديمة، والحوادث تقوم بها.
وأما المتكلمون وسائر أهل الملل: فمنهم من جوز قيام الحوادث بذاته، ومنهم من منع، وكلا الفريقين متنازعون في ما هي الحوادث؟
فالمعتزلة ومن تبعهم يقولون: لا تحل به الحوادث، لكن هؤلاء متنازعون في الخلق هل هو المخلوق أم لا؟
فمن قال منهم: الخلق هو المخلوق كقول الكلابية، وطائفة من المعتزلة، وطائفة من الفقهاء من أصحاب أحمد، وغيرهم.
فهذا السؤال لازم لهم، وقد تقدم جوابهم.
ومنهم من قال: الخلق غير المخلوق، وهم الأكثرون من الفقهاء والمتكلمين والصوفية وأهل الحديث.
فإن أكثر هؤلاء يقولون: بأن صفة التخليق قائمة بذات الله تعالى.
صفحه ۱۲۸