مسألة الغنائم
مسألة الغنائم
پژوهشگر
عبد الستار أبوعدة
ناشر
دار البشائر الإسلامية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
۱۳۲۷ ه.ق
محل انتشار
بيروت
ژانرها
لقاء العشر الأواخر
بالمسجد الحرام
(٩٠)
مسألة
الغنائم
تأليف
ابن الفركاح
تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري
شيخ ابن تيمية والنووي وتلميذ العز بن عبد السلام
(٦٢٤ - ٦٩٠ هـ)
رحمه الله تعالى
تحقيق
الدكتور عبد الستار أبو غدة
أتم طبعه بعض أهل الخير المحبين لرسولهم وحبهم
دار البشائر الإسلامية
1
جَمِيعُ الْحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ
الطَّبْعَةُ الأُولَى
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦م
شركة دار البشائر الإسلامية
لِلطِّبَاعَةِ وَالنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ ش. م. م.
أسَّسَهَا الشَّيْخُ رَمْزِي ومَشْقِيَة رَحِمَهُ الله تَعَالَى سَنَةَ ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م
بَيْرُوت - لُبْنَان
ص.ب: ١٤/٥٩٥٥
هَاتِف: ٧٠٢٨٥٧
e-mail: bashaer@cyberia.net.lb
فَاكْس: ٧٠٤٩٦٣ / ٠٠٩٦١١
2
بسم الله الرحمن الرحيم
المقَدّمَة
الحمد لله ربِّ العالمين القائل: ﴿وَأَعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ...﴾ الآية.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد القائل: ((أُحِلَّت لِيَ الغنائمُ ولم تحلّ لأحدٍ قبلي ...)) وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن موضوع الغنائم الحربية هو أحد أبواب الفقه المعروفة، وما تقرر بشأنها من وجوب قسمتها بين الغانمين - بعد تخميسها - هو الجادة التي لم يكن يعرف سواها قبل الاستنباط المنهجي والتحقيق العلمي الذي جاء به التاج ابن الفركاح الفزاري؛ حيث انتهى به اجتهاده إلى أنَّ أمر الغنائم موكول إلى اختيار الأئمة (أولي الأمر) بحسب المصلحة، وقد استدلَّ المؤلّف على هذا الرأي الذي تميز به بأدلَّةٍ كثيرةٍ، وذكر الاعتراضات المحتمل إيرادها على رأيه وناقشها.
وقد أفصح عن رأيه هذا في مطلع الرسالة .. ثم انتهى في آخرها إلى أنَّ الأصل قسمة الغنائم على الغانمين إلاّ إذا رأى الإِمام أنَّ المصلحة على خلاف ذلك، وهذا منه احترام لما ذهب إليه الفقهاء قاطبة.
3
والمؤلِّف مِن شيوخ ابن تيميَّة والنووي، كما أنه تلميذ العزِّ بن عبد السَّلام.
وقد نوّه ابن تيميَّة في إحدى رسائله برأي المؤلف وإن كان لم يأخذ به، وذلك في معرض إيجاد حلّ لموقف الناس من تداول تلك المغانم في الأسواق دون أن يسبقها التمليك للغانمين، كما أن ابن تيمية استنكر رأي النووي في التشدد في هذا، وطرح حلاً آخر، كما سيأتي.
والله الموفّق.
عَبْدِالسَّتَّارِ أَبُوغَدَّة
4
التعريف بالمؤلف(1)
اسمه وشهرته:
هو أبو محمد تاج الدِّين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري البدري، المصري الأصل، الدمشقي الموطن والوفاة، الشافعي المذهب.
وقد اشتهر بابن الفركاح (لاعوجاج في رجليه) وبالتاج الفزاري، وبابن سباع، وهذه الشهرة الأخيرة استخدمها ابن تيمية عندما أشار إلى رأيه في الغنائم.
(١) له ترجمة في: ((طبقات الشافعية)) للسبكي (٦٠/٥)، و((طبقات الشافعية)) للإِسنوي (٢٨٧/٢)، و ((طبقات الشافعية)) لابن قاضي شهبة (٢٢٢/٢)، و ((فوات الوفيات)) لابن شاكر الكتبي (٢٦٣/١)، و ((الوافي بالوفيات)) (٩٦/١٨)، و ((النجوم الزاهرة)) (٣١/٨)، و((مرآة الجنان)) (٢١٨/٤)، و((شذرات الذهب)) (٤١٣/٥)، و((العبر)) للذهبي (٣٦٧/٥)، و((البداية والنهاية)) لابن كثير (٣٢٥/١٣)، و((الدارس في تاريخ المدارس)) للنعيمي (١٠٨/١)، و((الإِعلام)) للزركلي (٢٩٣/٣)، و ((معجم المؤلفين)) لكحالة (٧١/٢)، وبركلمان (٣٩٧/١)، والترجمة المقدم بها لتحقيق ((شرح الورقات))، للدكتورة سارة شافي الهاجري.
5
ولادته وعمره:
وُلِد عام (٦٢٤ هـ) ستمائة وأربعة وعشرين للهجرة (١٢٢٥ م)، وقد عاش ٦٦ عاماً، وتوفي عام (٩٦٠ هـ) تسعمائة وستين للهجرة (١٢٩١ م).
عصره، وأسرته، واشتغاله بالعلم:
لقد كان العصر الذي وُلِد فيه مليئاً بالاضطرابات السياسية، بعد قضاء التتار على الدولة العباسية واستيلائهم على عدد من العواصم الإِسلامية إلى أن هزمهم الملك المظفر قطز في عين جالوت، ومن جاء بعده من المماليك (بيبرس، وقلاوون)، وعلى الرغم مِن هذه القلاقل كان عصره مفعماً بالإِنتاج العلمي والكتب الموسوعية.
وقد تربى في كنف والده الشيخ المقرىء برهان الدِّين إبراهيم بن سباع، ثم أخذ عن عدد من العلماء الآتي ذكرهم.
وكان مفرط الذكاء متوقد الذهن، برع في مذهب الشافعية وهو شاب له (بضع وعشرون سنة)، وكان يُقصد من الآفاق للفتوى، وشغل مهمة علمية هي (معيد الدرس) في المدرسة الناصرية، كما قام بالتدريس بالمدرسة المجاهدية، ثم البادرائية، وكان متبحراً في الفقه وأصول الفقه والمناظرة، حتى قيل: إنه انتهت إليه رئاسة المذهب في الدنيا. وأفتى وهو ابن ثلاثين سنة.
شيوخه:
أخذ المؤلف العلم عن شيوخ كثيرين، وروى الحديث عن جم غفیر، حتى إنَّ الحافظ علم الدِّين البرزالي خرّج له مشيخة عن مائة شيخ، في عشرة أجزاء، فسمعها عليه جماعة كبيرة، كما ذكر الإِسنوي.
6
ومن شيوخه :
١ - (عزّ الدِّين ابن عبد السَّلام) عبد العزيز، الملقَّب بـ (سلطان العلماء) (٥٧٨ - ٦٦٠هـ)، وهو صاحب كتاب القواعد وغيره. وقد أخذ المؤلف عنه الفقه، وأشار إلى تلمذته عليه في رسالته هذه.
٢ - (ابن الصَّلاح) تقيّ الدِّين عثمان الشهر زوري (٥٧٧ - ٦٤٣هـ)، صاحب المقدمة المشهورة في مصطلح الحديث. وهو من الشيوخ الذين تفقه عليهم المؤلف.
٣ - (علم الدِّين السخاوي) علي بن محمد (٥٥٩ - ٦٤٣هـ)، شيخ القرَّاء بدمشق، وتلميذ الشاطبي المقرىء، وله كتاب ((جمال القرَّاء في علم الإِقراء))، و ((شرح على الشاطبية)).
٤ - (ابن حمًّويه) تاج الدِّين عبد الله بن عمر (٦٤٢ هـ)، كان يلقب شيخ الشيوخ، صنف ((التاريخ)) وغيره.
٥ - (ابن اللتي) عبد الله بن عمر الحريمي القزاز (٥٤٥ _ ٦٣٥ هـ)، انتشرت روایته للحدیث بالشام.
٦ - (ابن الزبيدي) سراج الدِّين الحسين بن المبارك (٦٣١هـ)، صاحب ((البلغة)) في الفقه الحنبلي.
٧ - (ابن المنجي) شمس الدِّين عمر بن أسعد التنوخي (٥٥٧ - ٦٤١هـ)، كان عارفاً بالقضاء والمسائل الغامضات.
٨ - (الشروطي) زين الدِّين أحمد بن عبد الملك المقدسي (٦٤٠ هـ) المشتهر بعلم الشروط (الوثائق).
7
٩ - (ابن أبي الصقر) مكرم بن مكرم بن محمد (٥٤٨ - ٦٣٥هـ)، كان يسافر للتجارة كثيراً حتى لقب (السفّار).
تلامذته:
أخذ كثيرون العلم عن المؤلف، ومن تلامذته المشهورين:
١ - (النووي) يحيى بن شرف (٦٣١ - ٦٧٦ هـ)، صاحب ((رياض الصالحين))، و((الأذكار)) و ((المنهاج)) وغيرها، لما قدم دمشق (عام ٦٤٩ هـ) لطلب العلم قرأ على ابن الفركاح دروساً ثم سعى له للإقامة في المدرسة الرواحية.
٢ - (ابن تيمية) شيخ الإِسلام تقي الدِّين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (٦٦١ - ٧٢٨هـ)، وقد نقل عن المؤلف رأيه في المغانم وعارضه كما سيأتي.
٣ - (ابن العطَّار) علاء الدِّين علي بن إبراهيم (٦٥٤ -٧٢٤هـ)، وقد اشتهر بملازمة النووي حتى لقب (مختصر النووي) وهو أخو الإِمام الذهبي لأمه.
٤ - (المزِّي) جمال الدِّين يوسف بن عبد الرحمن (٦٥٤ - ٧٤٢هـ)، صاحب ((تهذيب الكمال في علم الرجال))، و((أطراف الكتب الستة)) وغيرهما، وُلِدَ في حلب ونشأ في المزة ودمشق.
٥ - (البرزالي) علم الدِّين القاسم بن محمد (٦٦٥ - ٧٣٩هـ)، صاحب ((التاريخ الكبير))، ومن علماء الحديث. وقد سبقت الإِشارة إلى جمعه ((مشيخة المؤلف)).
المبدَ هُمل
8
٦ - (ابن الزملكاني) كمال الدِّين محمد بن علي (٦٦٧ - ٧٢٧هـ) ولي القضاء بحلب، ودرس بعدة مدارس، من كتبه ((تعليق على المنهاج)).
٧ - (الشهبي) كمال الدِّين عبد الوهاب بن محمد الأسدي (٦٥٣ - ٧٢٦هـ) جلس للتعليم مدةً طويلة.
٨ - (شرف الدِّين أحمد بن إبراهيم) أخوه (٦٣٠ - ٧٠٥هـ)، خطيب جامع دمشق، وقد أورد السمعاني ٢٨٨/٢ له ترجمة وصفه بالمحدث الإِمام في النحو واللغة والقراءات، وهو أصغر من المؤلف بست سنین.
٩ - (برهان الدِّين إبراهيم) ابنه (٦٦٠ - ٧٢٩هـ)، كان عارفاً بالمذهب، مطلعاً على كثير من اللغة، خلف أباه في التدريس والإِفتاء.
شمائله، ومكانته العلميّة(١):
قال القطب اليونيني رحمه الله: ((كان رحمه الله عنده من الكرم المفرط، وحسن العشرة، وكثرة الصبر والاحتمال، وعدم الرغبة في التكثر من الدنيا، والقناعة والإِيثار، ما لا مزيد عليه، مع الدِّين المتين، وملازمة قيام الليل، والورع وشرف النفس، وحسن الخلق، والتواضع، والعقيدة الحسنة في الفقراء والصالحين، وزيارتهم))(٢).
وقال الذهبي: ((فقیه الشام، درّس وناظر وصنّف، وانتهت إليه رئاسة المذهب، كما انتهت إلى ولده برهان الدِّين، وكان من أذكياء العالم، وممن
(١) من مقدمة تحقيق شرح الورقات للمؤلف، تحقيق الدكتورة سارة شافي الهاجري.
(٢) ((فوات الوفيات)) (٢٦٤/٢)، و((الوافي بالوفيات)) (٩٨/١٨)، و((البداية والنهاية)) (٣٢٥/١٣).
9
بلغ رتبة الاجتهاد، ومحاسنه كثيرة، وهو أجلّ ممّن ينبه عليه مثلي، وكان رحمه الله يلثغ بالراء غيناً، فسبحان من له الكمال، وكان لطيف اللحية، قصيراً، أسمر، حلو الصورة، مفركح الساقين(١).
وكان يركب البغلة، ويحتف به أصحابه، ويخرج بهم إلى الأماكن النزهة، ويباسطهم. وله في النفوس عَظَمة؛ لدينه وتواضعه وخيره ولطفه وجوده. وكان أكبر من الشيخ النووي رحمهما الله تعالى بسبع سنين، وكان أفقه نفساً، وأذكى قريحة، وأقوى مناظرة من الشيخ محيي الدِّين بكثير، ولكن كان الشيخ محيي الدِّين أنقل للمذهب وأكثر محفوظاً منه. وكان قليل المعلوم (الموارد المالية) كثير البركة))(٢).
وقال الإِسنوي: ((كان فقيهاً، أصولياً، مفسراً، محدّثاً، له مشاركة في علوم أخرى، ديِّناً، كريماً، حسن الأخلاق والآداب والمعشرة والعبارة، كثير الاشتغال والأشغال، محبباً إلى الناس، لطيف الطباع))(٣).
وقال ابن كثير: ((كان ممن اجتمع فيه فنون كثرة، من العلوم النافعة، والأخلاق اللطيفة، وفصاحة المنطق، وحسن التصنيف، وعلوّ الهمّة، وفقه النفس. وكتابه (الإِقليد) الذي جمع على أبواب التنبيه، وصل فيه إلى باب الغصب، دليل على فقه نفسه وعلو قدره، وقوة همته، ونفوذ نظره، واتصافه بالاجتهاد الصحيح في غالب ما سطره،
(١) ((طبقات الشافعية)) لابن قاضي شهبة (٢٢٤/٢)، ((الدارس في تاريخ المدارس)) (١٠٨/١).
(٢) ((طبقات الشافعية)) لابن قاضي شهبة (٢٢٤/٢)، و((الدارس في تاريخ المدارس)) (١٠٩/١).
(٣) ((طبقات الشافعية)) للإِسنوي (٢٨٧/٢).
10
وقد انتفع به الناس، وهو شيخ أكابر مشايخنا، هو ومحيي الدِّين النووي))(١).
قال ابن شاكر في ترجمة المؤلف: ((انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي، وكان ممن بلغ رتبة الاجتهاد، وله تصانيف تدل على محلّه من العلم وتبحُّره، وكانت له يدٌ في النظم والنثر)) وكان قد وصفه في بداية الترجمة بقوله: ((العلاَّمة الإِمام فقيه الشام))(٢).
ومع مدح الإِسنوي له فقد غضَّ من شأنه بقوله: ((أهل بلده يغالون فيه، إلَّا أنَّ تصانيفه لا تقتضي ما ذكروه، إذ ليس فيها ما يدل على كثرة اطلاع، ولا على قوة التفقه، باستنباط تفريعات، وتوليد إشكالات، بخلاف كلام ولده فإنَّ فيه فوائد نقلية مهمة لولا عيٌّ فيه رحمهما الله))(٣).
والغريب أن الإِسنوي حين ترجم لولده أحمد المشار إليه قال: ((له تعليقة على التنبيه كبيرة الحجم، كثيرة الفوائد، إلاّ أن فائدتها قليلة بالنسبة إلى حجمها، كأنه حاطب ليل وساحب ذيل جمع فيها بين السمين والغث، والقوي والرث))(٤).
ويستدل من هذا أن في كلام الإِسنوي تحاملاً على المؤلف وعلى ابنه أيضاً، وهذا من التنافس بين الأقران والمعاصرين.
مصنفاته :
على الرغم من أن المؤلف قد غلب عليه الفقه، وأصول الفقه واشتهر
(١) ((البداية والنهاية)) (٣٢٥/١٣).
(٢) ((فوات الوفيات)) (٢٦٣/٢).
(٣) طبقات الشافعية للإِسنوي (٢٨٨/٢).
(٤) طبقات الشافعية للإِسنوي (١/؟؟؟).
11
بهما، فقد صنَّف في علوم أخرى كثيرة كالحديث والتاريخ، والمذهب الذي راعاه في مصنفاته هو المذهب الشافعي.
والجدير بالذكر أن جميع من ألفوا في طبقات الشافعيّة في عصره قد أوردوه في عداد كبار الفقهاء.
وفيما يلي أسماء مصنفاته :
١ - الإِقليد لذوي التقليد. وبعضهم سماه: الإِقليد لدرء (أو في درء) التقليد. ولعل هاتين التسميتين محرفتان بقلب كلمة (لذوي) إلى (لدرء) أو (في درء).
وهذا الكتاب شرح لـ ((التنبيه)) لأبي إسحاق الشيرازي في الفقه الشافعي، ولم يتمه.
وقد اختلف المترجمون للمؤلف في القدر الذي اكتمل فيه: هل هو إلى كتاب النكاح، أو كتاب الغصب، أو كتاب الوقف. ولعل هذا الأخير هو الأصح، حيث قال ابن قاضي شهبة: وقفت على نسخة منه إلى آخر (الوقف).
وبعض المترجمين أورده باسم ((شرح التنبيه)).
٢ - شرح قطعة من ((التعجيز)) لابن يونس الموصلي (٦٧١ هـ) و((التعجيز)) مختصر ((الوجيز)) للغزالي. وقد ذكروا أنه في عدة مجلدات.
٣ - شرح ((الوسيط)) للغزالي، وهو في عشرة أسفار.
٤ - شرح ((الوجيز)) للغزالي، في مجلدات.
12
٥ - شرح (الورقات) لإمام الحرمين، في أصول الفقه. وقد نشر بتحقيق الدكتورة سارة شافي الهاجري (زوجة الأخ الشيخ محمد ناصر العجمي) وطبع في دار البشائر الإسلامية في بيروت.
٦ - فتاوى، قالوا عنها بأن فيها فوائد علمية كثيرة.
٧ - تاريخ. علق فيه الحوادث التي وقعت في زمنه. قال الذهبي: رأيته وله فيه عجائب.
٨ - مختصر (الموضوعات) لابن الجوزي، في الحديث ... قال عنه ابن كثير: هو عندي بخطه.
٩ - مسألة الغنائم (وهو هذا)(١).
شعره:
قال الإسنوي: ((له شعر حسن)):
ومن شعره:
يا كريم الآباء والأجداد وسعيد الإصدار والإيراد
ومنه: قوله عندما انجفل الناس عنه سنة ثمان وخمسين وستمائة:
لِلَّهِ أيامُ جمع الشمل ما برحتْ بها الحوادث حتى أصبحتْ سَمَرا
(١) لم تشر إليه الدكتورة سارة الهاجري محققة كتاب ((شرح الورقات)) في الترجمة المسهبة التي أوردتها للمؤلف.
(٢) ((طبقات الشافعية))، للإسنوي (٢/٢٨٧) والإشارة إلى ((بانت سعاد)) حيث وصفت هناك بالمطل في الوعد.
13
يا راحلين قدرتم فالنجاء لكم ونحن للعجز لا نستعجز القدرا(١)
وفاته :
توفي ضحى يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة عام (٦٩٠هـ) تسعين وستمائة للهجرة، وكان حينئذ على التدريس في المدرسة البادرائية. ودفن في مقبرة باب الصغير، وبلغ عمره ستًّا وستين سنة، وثلاثة أشهر(٣).
***
(١) ((فوات الوفيات)) (٢/٢٦٤).
(٢) ((الوافي بالوفيات)) (١٨/٩٨).
(٣) ((النجوم الزاهرة)) (٨/٣٣)، و((العبر)) للذهبي (٥/٣٦٧).
14
التعريف بالكتاب
موضوع الكتاب:
لقد درجت النظم العسكرية المطبقة في العالم، بما فيه البلاد الإسلامية، وكذلك مقررات علم المالية العامة التي تدرس في جامعات العالم كله على الأخذ بمبدإ عدم قسمة الغنائم على المقاتلين، وتعتبر كلها أموالاً عامة منوطة بتصرف أولياء الأمر، وغالباً ما تضم إلى معدات الجيش وذخائره وآلياته وتخصّص للعمليات الحربية.
وقد انتهى المؤلف - في اجتهاده - إلى أن التصرف في الغنائم متروك لما يراه الإمام (ولي الأمر) حسب المصلحة. وهو خلاف ما تقرر في المدونات الفقهية...
ومع أن ما طرحه المؤلف يمثل حلاً لمشكلة كانت قائمة في عصره فقد قوبل من بعض فقهاء ذلك العصر وما بعده بالمعارضة الشديدة، ولكنهم لم يصفوا ما انتهى إليه بأنه قول شاذ، ولا استنكروا ما اختاره من رأي متميز.
وقد احتاط المؤلف لنفسه حين أثبت في البداية أن المسألة خلافية، أي لا مساغ فيها للإنكار، وأنها ليست اجتهاداً في مورد النص ولا خرقاً للإجماع...
15
أهمية الكتاب:
إن أهمية هذه الرسالة تكمن في أنها نموذج للاجتهاد الجزئي في مسألة مؤصلة في المدونات الفقهية لكن جرى العمل على خلافها، وفي أنها إضافة علمية بأدلة وحجج ومناقشات تحترم ما تقرر في أصول الفقه وتستند إلى تحقيق ما في السيرة النبوية في الغزوات (علم السِّيَر) وما جرى عليه الأئمة الراشدون بعدئذ في الفتوحات، وهي - فضلاً عن ذلك - تحل مشكلة عملية تطبيقية؛ إذ تأتي بالتصحيح لتصرفات الأئمة منذ عهود طويلة على خلاف ما تقرر في باب الغنائم من شتى كتب الفقه، وفيها المخرج الشرعي.
وفي هذا تطبيق للقاعدة التي يكثر الفقهاء الإِشارة إليها، مثل قول ابن الهمام: (يجب تصحيح التصرف ما أمكن)(١)، وقول الكاساني: (يجب الحمل على الصحة ما أمكن)(٢)، ونحوه في ((المغني)) لابن قدامة(٣)، وفي ((المعيار)) للونشريسي(٤) حيث يقول: (وما جرى به عمل الناس، وتقادم في عرفهم وعاداتهم ينبغي أن يلتمس له مخرج شرعي ما أمكن، على خلافٍ أو وفاق).
ولتوضيح أهمية هذا الكتاب ينبغي أن نستحضر واحدة من خصائص الشريعة ... كما ترسم للناس الطريقة المثلى التي عليهم أن يسلكوها في التصرفات الخاصة والعامة فإنها تشتمل على حلول لما يقع من ممارسات
(١) ((فتح القدير)) (٤٤٥/٢).
(٢) ((البدائع)) للكاساني (١٣٧/٥).
(٣) ((المغني)) (٣٥/٥).
(٤) ((المعيار)) (٦/ ٤٧١).
16
أصبحت مألوفة، ولا يترتب عليها خروج عن المسلَّمات الشرعية وإن كانت في منظور الوضع المثالي غير راجحة بل ربما توصف بأنها مما انفرد به بعض الفقهاء. وقد توصف أقوالهم بأنها شاذّة. والمراد هنا بالشذوذ مخالفة ما عليه جمهور الفقهاء، وليست شذوذاً عن مقتضى الاجتهاد.
وقد تجلَّى هذا فيما سبق ذكره من نصوص كبار الفقهاء من شتَّى المذاهب، في الحث على تسويغ ما جرى عليه العمل إذا لم يتعارض مع صحيح نصوص الشريعة وصريحها، ولم يترتب عليه أضرار معنوية ولا مادية، ولا هو ذريعة يؤدي لبعض أسباب الخطر كالجهالة والضرر والغبن والربا ... إلخ.
إن هذا المنهج يحقق نفعاً معنويًّا واضحاً يتمثل في إبقاء المسلم ضمن دائرة المباح، وعدم الحكم عليه بارتكاب المحرم مما قد يجعله يستسهل الاستمرار أو التكرار بدلاً من أن يظل في إطار الشرع.
موقع الرسالة بين الفقهاء المعاصرين للمؤلف:
(أ) معارضة النووي لرأي المؤلف:
ذكر السخاوي في ترجمة الإمام النووي (ص ٨ - ١٠) أن النووي ردّ على فتوى الفزاري في المغانم، وشدّد في المسألة، وبالمناسبة فإن ابن تيمية عكس وصف الحالة؛ حيث أشار في كلامه الذي سيأتي إلى أن المؤلف عارض الجويني والنووي .. والواقع أن المؤلف هو البادىء بطرح رأيه الخاص في المغانم وعارضه النووي وغيره، وليس العكس.
(ب) موقف الجويني (والد إمام الحرمين):
وهو متوافق مع ما رآه النووي. وقد أورده ابن تيميّة مقترناً بالنووي بما يوهم أنه عارض ابن الفركاح، مع أن ابن الجويني قبله بقرنين ونصف
17
وأكثر. حيث قال ابن تيمية: ((أفتى بعض الفقهاء كأبي محمد الجويني والنووي ... فعارضهم أبو محمد بن سباع)).
وواضح أن الإِشارة إلى معارضة المؤلف للجويني ليست بمعنى المعارضة المألوفة، بل هو تجاوز في التعبير من ابن تيمية، فالمقصود هو الاختلاف في الرأي.
(ج) معارضة ابن تيمية لرأي المؤلف:
لقد أطال ابن تيمية النفس في مسألة الغنائم، في سياق حديثه عن الحلال والحرام، وحكم تملك الغنائم التي لم تقسم، ويحسن سرد كلامه فيما بعد في المواطن المناسبة من هذه الرسالة.
هذا، وإنّ ابن تيمية - على الرغم من عدم قبوله رأي المؤلف - فقد أخذ به ضمناً عند جوابه عن دخول الشبهة في أموال العامة لعدم قسمة الغنائم. وفيما يلي كلامه كاملاً في الموضوع.
قال ابن تيمية: ليس كل ما اعتقد فقيهٌ معينٌ أنه حرامٌ كان حراماً، إنَّما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب أو السنَّة أو الإِجماع أو قياس مرجح لذلك، وما تنازع فيه العلماء رُدّ إلى هذه الأصول.
ومن الناس من يكون نشأ على مذهب إمام معين، أو استفتى فقيهاً معيناً، أو سمع حكاية عن بعض الشيوخ، فيريد أن يحمل المسلمين كلهم على ذلك؛ وهذا غلط، ولهذا نظائر:
منها: مسألة المغانم، فإن السنَّة أن تجمع وتخمّس وتقسم بين الغانمين بالعدل.
18
وهل يجوز للإمام أن ينفّل من أربعة أخماسها؟
فيه قولان:
١ - فمذهب فقهاء الثغور وأبي حنيفة وأحمد وأهل الحديث: أن ذلك يجوز، لما في السنن أن النبيّ ﷺ وسلم نفّل في بدأته الربع بعد الخمس، ونفّل في رجعته الثلث بعد الخمس(١).
٢ - وقال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي: لا يجوز ذلك، بل يجوز عند مالك التنفيل من الخمس. ولا يجوز عند الشافعي إلَّا من خمس الخمس. وكان أحمد يعجب من سعيد بن المسيب ومالك كيف لم تبلغهما هذه السنة مع وفور علمهما !! ...
وكذلك إذا قال الإِمام ((من أخذ شيئاً فهو له)) ولم تقسم الغنائم:
- فهذا جائز في أحد قولي العلماء، وهو ظاهر مذهب أحمد.
- ولا يجوز في القول الآخر [لأحمد] وهو المشهور من مذهب الشافعي.
وفي كل من المذهبين خلاف.
وعلى هذا الأصل تنبني الغنائم في الأزمان المتأخرة، مثل الغنائم التي كان يغنمها السلاجقة الأتراك، والغنائم التي غنمها المسلمون من النصارى من ثغور الشام ومصر(٢).
(١) أخرجه أبو داود في سننه (١٠٦/٣) وهو في شرح الخطابي ((معالم السنن)) (٣١٣/٢).
(٢) يقصد في الحروب الصليبية.
19
فإن هذه :
- أفتى بعض الفقهاء، كأبي محمد الجويني(١) والنواوي(٢)، أنه لا يحل لمسلم أن يشتري منها شيئاً، ولا يطأ منها فرجاً، ولا يملك منها مالاً ... ولزم من هذا القول من الفساد ما الله به عليم.
- فعارضهم أبو محمد بن سباع الشافعي(٣)، فأفتى أن الإِمام لا يجب عليه قسمة الغنائم بحال ولا تخميسها، وأنَّ له أن يفضل الراجل [على الفارس] وأن يحرم بعض الغانمين ويخصص بعضهم، وزعم أن سيرة النبيّ ﷺ تقتضي ذلك.
وهذا القول خلاف الإِجماع، والذي قبله باطل ومنكر أيضاً، فكلاهما انحراف.
والصواب في مثل هذه: أنَّ الإِمام إذا قال: مَن أخذ شيئاً فهو له، فإن قيل بجواز ذلك فمن أخذ شيئاً ملكه، وعليه تخميسه. وإن كان الإِمام لم يقل ذلك ولم يهبهم(٤) المغانم، بل أراد منها ما لا يسوغ بالاتفاق. أو قيل: إنه يجب عليه أن يقسم بالعدل ولا يجوز له الإِذن بالانتهاب، فهنا المغانم مال مشترك بين الغانمين ليس لغيرهم فيها حق، فمن أخذ منها مقدار حقه جاز له ذلك، وإذا شك في ذلك فإما أن يحتاط ويأخذ بالورع المستحب أو يبني على غالب ظنه و﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاَ﴾(٥).
(١) أبو محمد الجويني عبد الله بن يوسف.
(٢) النووي أبو زكريا يحيى بن شرف.
(٣) يقصد المؤلف، ولم يذكره بشهرته الغالبة وهي (ابن الفركاح).
(٤) لعلها: ((يُنهبهم)). بدلالة ما جاء بعدئذ من ذكر الانتهاب. ((مجموع فتاوى ابن تيميّة)) (٣١٥/٢٩-٣١٨).
(٥) سورة البقرة: الآية ٢٨٦.
20