24
وهذا الدين احتوى على مذهب الكلمة الإلهية مع تصور مشابه نوعا للمذهب الأفلاطوني الخاص بالمثل، إن لم نقل احتوى على نظرية كاملة واضحة للتثليث. ومذهب الكلمة هذا وجدت فيه العقلية اليهودية فكرتها الحقة؛ فتقبلته في حمية كبيرة لتجعله أدنى إلى الكمال. والواقع أن العقيدة اليهودية على رغم أنها كانت تحت سلطان فكرة الإله السامي، الإله الواحد الذي تفصل هوة كبيرة بينه وبين العالم الذي خلقه بقدرته العظمى، قد مالت من زمن بعيد إلى أن تميز بين الله وبين القوى المتدرجة التي خلق العالم بواسطتها، كما يؤثر فيه ويحافظ عليه ويحكمه بواسطتها كذلك. والسبب في هذه الفكرة هو السبب نفسه الذي تأثر به أفلاطون؛ أي المحافظة على قداسة الله وعدم تغيره.
وهذه القوى صورت أولا في شكل ملائكة أو رسل من الله ثم، تجمعت عندئذ في شكل فكرة واحدة ستتخذ لنفسها فيما بعد شخصية يمكن أن يعبر عنها بالحكمة أو العقل الإلهي،
25
ومن جهة أخرى، هذه القوى تظهر في الخارج في شكل روح أو نفثة إلهية كما جاء في الآية الثانية من التوراة وفي مواضع أخرى منها.
وبالإجمال، فإن ملائكة الله - أعني تلك القوى التي تكلمنا عنها - فيها تنبؤ على نحو غامض بفكرة الأقانيم الإلهية، وفي سفر الأمثال المتأخر عن عصر السبي، والذي يكشف عن أثر الفارسيين، وإن كان لا يكشف عن أثر الرواقيين كسفر الحكمة
26
مثلت الحكمة تمثيلا واضحا كمبدأ أزلي أبدي مميز عن الله وغير منفصل عنه في الوقت نفسه، ففي الإصحاح الثامن نجد الحكمة تقول: «الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض لما ثبت السموات كنت هناك أنا، لما أسس الأرض كنت عنده صانعا.»
وقصارى الكلام أن الله لم يخلق الكون مباشرة، ولا بذاته السامية العلوية، بل بواسطة الحكمة التي ليست إلا «أقنوما» إلهيا ثانيا.
27
صفحه نامشخص