ونضيف فوق ما ذكر من أقوال الساسة البريطانيين واعترافاتهم بحقوق مصر في السودان الفقرة الآتية، وقد وردت في المكاتبة رقم 1 التي أرسلها مركيز سلسبري في 6 أكتوبر سنة 1898 إلى سير إ. مونسن بوزارة الخارجية البريطانية، ونشرت في الكتاب الأزرق لعام 1898، ج3:
جوابا على ملاحظات سعادته - أي السفير الفرنسي - قد أعدت على مسامعه الأدلة التي استشهد بها الجانب البريطاني في هذه المسألة، تلك الأدلة التي كانت معروفة قبل الآن. فأبنت له أن حقوق مصر على ضفاف النيل قد صيرها فوز المهدي في القتال في حكم المنسوخة بلا شك، ولكن مهما كانت قيمة هذه الحقوق التي سلبت من مصر فإنها قد أعيدت إلى يد الفاتح. والآن ما هو القسم الذي تبقى منها لمصر؟ والقسم الذي انتقل إلى المهدي والخليفة؟ لعمري تلك مسألة لا يمكن حلها إلا في ميدان القتال بلا ريب، ولكن هذا النزاع لا يسوغ لجانب ثالث أن يتدخل ويدعي تملك الأرض موضوع النزاع بحجة أنه قد صار التخلي عنها. ا.ه.
ونعلق على ما قاله مركيز سلسبري في هذه العبارة، فنقول: إن الجانب الثالث الذي يلوح سعادته به هو بالطبع حكومة فرنسا، ولكن ألم يكن الأجدر به أن يطبق على نفسه هذا المبدأ الذي أراد تطبيقه على فرنسا؟ إنه لو فعل ذلك لكان قدم مثلا غاية في الاستقامة والنزاهة اللتين ضرب بهما عرض الحائط حين فرض على مصر قبول اتفاقية 19 يناير سنة 1899 الإنجليزية المصرية المتعلقة بالسودان.
ويقول أيضا سعادته في العبارة السالفة: إن حقوق مصر التي سلبت منها قد أعيدت إلى يد الفاتح، فالمقصود بالفاتح هنا هو بالطبع مصر وحدها؛ إذ لو كان المقصود منه مصر وإنجلترا معا، لكان استعمل ما يدل على التثنية لا الإفراد، وسيؤيد هذا المعنى الوثائق المنشورة بعد.
وهناك اعتراض آخر على أقوال سعادته الآنفة، ذلك أنه يقول إن النزاع القائم بين مصر والمهدي في السودان لا يسوغ لجانب ثالث أن يتدخل ويدعي تملك الأرض موضوع النزاع، بحجة أنه قد صار التخلي عنها. فإذا كان سعادة مركيز سلسبري لا يرى ما يسوغ هذا الأمر لهذا الجانب الثالث، فكيف استساغته إنجلترا لنفسها وأجازت أن تدخل في اتفاقية 19 يناير سنة 1899م، كأنها صاحبة حق في السودان كفاتح له؟ وألا يكون في هذا ما يهدم جميع تصريحاتها؟
وفضلا عن ذلك، ففي التقرير الذي رفعه السير ه. كتشنر
Sir H. Kitchner
إلى لورد كرومر بتاريخ 21 سبتمبر سنة 1898م ما يأتي (الكتاب الأزرق، رسالة رقم 2، ملحق الرسائل رقم 1، ص4، من مستر رد إلى مركيز سلسبري):
لقد وافقت نهائيا على اختيار برج خرب واقع جنوب حصون فاشودة القديمة على بعد نحو 500 ياردة من المكان المرفوع فوقه العلم الفرنسي، ويشرف على الطريق الوحيد الموصل من فاشودة إلى داخلية البلاد؛ إذ يكتنف المديرية القديمة من جهتيها الشمالية والغربية مستنقعات عميقة يتعذر اجتيازها. وقد رفعنا العلم المصري فوق هذا البرج في الساعة الواحدة بعد الظهر بحضور الجنود البريطانية والمصرية، وحيينا العلم بإطلاق 21 مدفعا. ا.ه.
وسبب تكرارنا لهذه الفقرة مع أنه سبق ذكرها في الرسالة السالفة، هو أن نبين أن العلم المصري الذي نصب أمام مواقع الفرنسيين في فاشودة حيته الجنود البريطانية التي اشتركت في الحملة.
صفحه نامشخص