وفي 20 يناير عام 1877 أعلن صفوت باشا مندوبي الدول رسميا بأن الدولة العلية رفضت مطالبهم لمساسها بمصالحها الجوهرية، فانفض بذلك المجتمع الدولي، وترك مندوبو الدول كفة الآستانة إظهارا لغضب دولهم وانقطاع العلائق السياسية.
وفي 30 يناير من السنة نفسها كتب المسيو «غورتشاكوف» وزير الروسيا الأول إلى الدول الأوروبية يسألها عن الوسائل التي ستتخذها مع تركيا لإجبارها على قبول مطالبها، ويعلمها بأن الروسيا مستعدة للعمل وحدها ضد تركيا. وفي الوقت نفسه اتفق القيصر مع «فرنسوا جوزيف» إمبراطور النمسا على بقاء النمسا على الحيادة أثناء الحرب بين الدولة العلية والروسيا، وقبل القيصر الشروط الآتية: أولا: ألا تدعي إحدى الدول الأوروبية أن لها وحدها حق حماية المسيحيين في الدولة العلية، وأن يكون لدول أوروبا كلها القول الفصل بين تركيا والروسيا بعد نهاية الحرب. ثانيا: ألا تأخذ الروسيا شيئا ما من الأراضي الواقعة على الشاطئ الأيمن لنهر الطونة، وأن تحترم استقلال رومانيا، وألا تمس الآستانة بسوء. ثالثا: إذا أوجدت الروسيا إمارة سلافية جديدة يجب ألا يكون ذلك ضد مصلحة البلاد الغير سلافية، وألا تدعي الروسيا حقوقا على بلغاريا التي يجب ألا يحكمها أمير روسي ولا أمير نمساوي. رابعا: ألا تمر الجنود الروسية من بلاد الصرب.
ولم تكتف الروسيا باتفاقها مع النمسا ومساعدة ألمانيا لها من أول الأزمة كل المساعدة، بل أرادت أن تتحقق من مساعدة بقية الدول الأوروبية لها مساعدة معنوية؛ فأرسلت الجنرال «أغناتييف» إلى عواصم أوروبا، فزارها عاصمة بعد عاصمة حتى لوندرة نفسها، وفي كل عاصمة من عواصم أوروبا قوبل بالترحاب، ووعد بعدم معارضة الروسيا في شيء. وفي لوندرة اتفق مع الوزارة الإنكليزية على عقد مؤتمر دولي في لوندرة لإرسال إنذار أخير للباب العالي، وبالفعل اجتمع المؤتمر. وفي 31 مارس سنة 1877 أرسل الإنذار الدولي للباب العالي متضمنا أنه يجب على الدولة العلية أن تتمم عقد الصلح مع الجبل الأسود، وأن تترك له الأراضي التي يطالب بها، وأن تنفذ الإصلاحات التي طلبتها منها الدول، وأن تجعل عساكرها في حالة السلم بأن تقلل عددها العظيم الذي جمعته للحرب، وأنذرتها الدول بأنها كلها مستعدة لأن تتحد وتقرر الوسائل الفعالة ضدها إن لم تقبل مطالبها في أقرب وقت، وبذلك اشتركت أوروبا كلها اشتراكا معنويا في معاداة الروسيا لتركيا وتهييجها أمم البلقان عليها، وتحملت مسئولية كل ما عملته الروسيا ضد تركيا.
وقد أرسلت الروسيا بانفرادها إنذارا آخر للباب العالي أشد لهجة من الإنذار الدولي، فعرض الباب العالي هذين الإنذارين على مجلس المبعوثان ليرى رأيه فيهما، فرفضهما في 9 أبريل سنة 1877، وفي 11 أبريل أعلن الباب العالي الدول الأوروبية رفضه لهما، ومن ذلك اليوم صارت الحرب على أبواب تركيا، وأخذت الدولة العلية من جهة والروسيا من جهة أخرى تتمم تجهيزاتها الحربية وترسل جيوشها على الحدود.
ولما رأت الروسيا أنها لا تستطيع التغلب على تركيا والفوز عليها، إلا إذا عبرت جيوشها بلاد رومانيا عقدت في 16 أبريل مع هذه الإمارة - خلافا لاتفاقها مع النمسا - اتفاقية تسمح للجنود الروسية بعبور أراضي رومانيا، وفي 24 أبريل سنة 1877 أعلنت الروسيا رسميا الحرب على تركيا، مبينة في إعلانها أن غرضها بالحرب نصرة المسيحيين.
فلما علمت إنكلترا بأن الحرب لا بد منها سألت الروسيا عدم المساس بمصالحها في الشرق واحترام صوالحها، فأجابتها الروسيا على ذلك، وهذه هي المساعدة التي قدمتها إنكلترا للدولة العلية!
وقد اتخذت الجنود الروسية في القرم وفي البحر الأسود خطة دفاعية، وجعلت خطتها الهجومية في جهة القوقاز والدانوب.
وسار الجيش الروسي في آسيا تحت قيادة الجنرال «لويس مليكوف» وبعد مجهودات عظيمة وقتال عنيف؛ استولى في 19 مايو على مدينة أردهان، وسار في أوائل يونية إلى مدينة «أرضروم». أما في أوروبا فقد اتفقت الروسيا مع رومانيا - التي أعلنت عندئذ استقلالها التام عن الدولة العلية - في 14 مايو عام 1877 اتفاقا دفاعيا هجوميا، وانضمت جنود رومانيا إلى جنود الروسيا، وعبرت بلغاريا الشمالية، وفي أواسط يوليو احتلت مدينة نيكوبلي، واحتل الجنرال «جوركو» مضايق البلقان الموصلة لمضيق شيبكا الشهير. وقد أحدثت هذه الأخبار تأثيرا شديدا في الآستانة وفي أوروبا كلها، وازداد اهتمام الباب العالي بأحوال الجيش، إلا أنه من سوء حظ الدولة وشى بعض الدخلاء بالشهم المشهور «عبد الكريم باشا»؛ فعزلته الدولة وعزلت رديف باشا ناظر الحربية، وعينت بدل عبد الكريم باشا «محمد علي باشا» وهو ضابط روسي الأصل اعتنق الإسلام ودخل في عسكرية الدولة.
ولما علم دولة الغازي «عثمان باشا» بانتصار الجيوش الروسية والرومانية أتى بجيشه إلى مدينة «بلفنة» وحصنها أحسن تحصين.
وقد هاجت الخواطر في بلاد المجر حين ذاك هيجانا شديدا لانتصار الروسيا على تركيا في بعض المواقع، وصار المجريون يتظاهرون في الشوارع وفي المجتمعات ضد الروسيا، وينادون بمحبة تركيا التي ساعدت ثوارهم عام 1849، وأخذوا يسألون حكومتهم مساعدة تركيا بالفعل. إلا أن النمسا التي بيدها زمام القيادة العامة للجيش المجري والنمساوي كانت على الحيادة، وكان «بسمارك» يسمعها من وقت إلى آخر أن نصيبها من أملاك تركيا سيكون «البوسنة والهرسك»؛ فكانت راضية بالحرب غير حاسبة لتقوية نفوذ الروسيا في بلاد البلقان حسابا.
صفحه نامشخص