مصیبت کبری
المأساة الكبرى: رواية تشخيصية في الحرب الحاضرة
ژانرها
لا أريد أن أجول مع حضرة المدعي في المخارج والمداخل التي عرج عليها، وعرج فيها؛ لئلا أطيل الكلام على حضراتكم على غير طائل، وكل ما جاء به الخصم ليس إلا خلابة لسان؛ لتأييد أمور ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تركب على عقل إنسان، وأنا على تمام اليقين بأنكم تنظرون إليها نظيري، فقد عشت الدهور، وشهدت آتيلا، وتيمورلنك، وجنكيزخان، حتى عبد الحميد، ولم أسمع أن أحدا شكا منهم مثل هذه الشكوى، ولا طلب من التاريخ أن يعاملهم هذه المعاملة الشنيعة الفظيعة، ولو فعل لما جاز له أن يخص سواهم من الفاتحين بالذكرى المقرونة بالإعجاب، وكلهم متشابهون سفاحون طماعون طلاب سيادة وحبابو شهرة إلا عبد الحميد، فإن الدافع له لم يكن حب الشهرة، بل هوسا للذود عن نفسه، خوفا عليها، لما كان بها من الهواجس، فأنا - وقد قسم لموكلي ألا يكون ظافرا إلى النهاية والمغلوب مغلوب في كل شيء - أطلب إليكم أن تعاملوه كما عومل سواه قبله بالعزل والإبعاد، حتى التكبيل والتنكيل إذا كنتم معتقدين أنه الجاني المسئول وحده، ولم يكن في السوابق أو المصاحبات ما يشفع له بتخفيف الجرم، كما أنا متيقن، وإذا كنت لا أبسطها لديكم؛ فلأن زميلي قد أشار إليها ضمنا، فما رأيتكم مستعدين لسماعها أو قبولها، عاملوه معاملة المغلوب في كل شيء فقط، لا تلحقوا به هذه الإهانة التي لم يعامل بها أحد من زملائه السالفين، مع أنه يعلو عليهم علوا كبيرا، وقد اعتبرهم التاريخ من الرجال العظام، وخلد ذكرهم إلى الأبد، على أن هذا الحكم الغريب المطلوب من حضراتكم أن تنطقوا به ليس له نص في القانون، ولا سابقة في العرف، فهل تريدون أن تأتوا فيهما بدعة اليوم، وتقولوا إنكم حكمتم بالعدل وضمائركم مطمئنة، فأنا لا أطلب إلا العدل، والعدل أساس الملك، وأنا لا أخشى عليه، وأنتم هنا اليوم نصراؤه.
الرئيس :
لقد اكتفت المحكمة. (يختلي القضاة للمداولة، ثم يرجعون، وينطق الرئيس بالحكم الآتي):
حيث إن هذه الحرب التي أثارها المدعى عليه عن سوء نية هي حرب تهور، ليس فيها شيء من التعقل؛ لأن ضررها لاحق به كما هو لاحق بسواه وأشد.
وحيث إنه كان ينوي بها إغرام الآخرين له؛ ليفتخر بأنه أذلهم، ولو أنهم من أهم أركان المجتمع؛ وليخلو الجو له وحده، ولو أدى به الأمر إلى تقويض العمران، فهي إذن حرب اعتداء على المجتمع نفسه، لا حرب دفاع عن النفس لمصلحة العمران.
وحيث إنه كان ينويها منذ زمان طويل، كما تدل استعداداته الهائلة لها من دون أدنى موجب غير مطامعه الجائرة التي لا تتفق مع مصلحة عامة أو خاصة، ومن دون مراعاة لزمان أو مكان.
وحيث إن الأعمال الفظيعة وسائر الموبقات التي ارتكبها أو أوعز بارتكابها في هذه الحرب - والتي لا يجوز أن يقدم عليها في هذا العصر، حتى ولا أجهل الناس، وأعرقهم في التوحش - تدل دلالة واضحة على أن به شذوذا يحمله على حب الإضرار بالغير.
وحيث إنه ثابت من تقارير الأطباء عنه أن به عدم توازن - إلى الشر - في القوى المحركة له والمستولية عليه، هو سبب هذا الشذوذ فيه، وذلك يجعله في القانون غير مسئول.
وحيث إن المسئولية الحقيقية في مثل هذه الحال يجب أن تقع على المجتمع نفسه الذي تسمح نظاماته بأن تتأصل فيه مثل هذه البذور الفاسدة ، وعلى أمته خاصة التي جارته على أهوائه ونصرته فيها، غير ناظرة إلى حقيقتها، ونسبتها هي نفسها إلى المجتمع، ونسبة المجتمع إليها.
فلأجل ذلك كله حكمت المحكمة العليا حكما حضوريا نهائيا، لا يقبل استئنافا ولا نقضا، بأن يعامل المجرم معاملة أمثاله، ويوضع في «عزلة» تحت مراقبة أطباء دوليين، وتحرم عيلته من جميع امتيازاتها التي تخولها حق الحكم، وتنزع منه ومن أسرته ما لهم من أملاك وأموال، وحصص تجارية وصناعية، وتنفق أثمانها على منكوبي البلجيك، وتنقل الأثريات في قصوره إلى مدينة لوفين بدل ما أتلفه فيها، وتلزم أمته وحدها بالتعويض على الآخرين.
صفحه نامشخص