وكان نوروز (١) ﵀ قد شرط عليهم الشروط، ووضع الجزية، وكان ذلك أعظم المصائب عليهم، ومع هذا لم يدخل على المسلمين بذلك إلا كل خير، فإن المسلمين مستغنون عنهم، وهم إلى ما في بلاد المسلمين أحوج من المسلمين إلى ما في بلادهم، بل مصلحة دينهم ودنياهم لا تقوم إلا بما في بلاد المسلمين، والمسلمون -ولله الحمد والمنة- أغنياء عنهم في دينهم ودنياهم. فأما نصارى الأندلس فهم لا يتركون المسلمين في بلادهم إلا لحاجتهم إليهم، وخوفهم من التتار، فإن المسلمين عند التتار أعز من النصارى وأكرم، ولو قدروا، وإنهم قادرون على من عندهم من النصارى (٢) .
والنصارى الذين في ذمة المسلمين فيهم من البتاركة (٣)، وغيرهم من علماء النصارى ورهبانهم، وليس عند النصارى مسلمٌ يحتاج إليه المسلمون ولله
_________
(١) في الظاهرية: نور الدين وهو خطأ، وقد تكرر اسمه عند شيخ الإسلام في مواضع ومنها في المنهاج ٣/٤٧٧. [ولهذا كانوا - أي الرافضة - من أنقص الناس منزلة عند الأمير نوروز المجاهد في سبيل الله، الشهيد الذي دعا ملك المغول غازان إلى الإسلام، والتزم له أن ينصره. إذا أسلم، وقتل المشركين الذين لم يسلموا من النجشية السحرة وغيرهم، وهدم الباذخات وكسر الأصنام، ومزق سدنتها كل ممزق وألزم اليهود والنصارى بالجزية والصغار وبسببه ظهر الإسلام في المغول وأتباعهم] .
وهو نوروز نائب غازان، كان مسلمًا عالي الهمة، ودعاه إلى الإسلام فأسلم قازان وأسلم معه عامة التتار، وكان من خيار أمرائه ذا عبادة وتطوع وصدق في إسلامه شوش التتار خاطر قازان عليه، فما زال به حتى قتله= =سنة ٦٩٦ هـ. شهيدًا إن شاء الله. انظر الدليل الشامي رقم ٢٥٩٦، والبداية والنهاية ١٣/٣٧٢، والسلوك ١/٣: ٨٣٧، ٨٧٤.
(٢) في المطبوعة خلاف النسخ الثلاثة، ولو قدر أنهم قادرون على من عندهم من المسلمين، فالمسلمون أقدر على من عندهم من النصارى.
(٣) لعل المقصود بها البطارقة وهي جمع بطريق وهو في معاجم اللغة القائد العظيم عند النصارى يسمى كذلك بطريرك كما كان يسمى به كبيرهم بالإسكندرية. وانظر الجواب الصحيح ٣/١١.
ومعنى هذا أن علماء النصارى من البطارقة والقسس والرهبان أكثرهم عند المسلمين، وليس يوجد عند النصارى مسلم يحتاج إليه في علمه أو دنياه. نحمد الله ونشكره.
1 / 125