للرسل من أعدائهم في الدين، قال –تعالى-: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ ١، ليتميز الصادق بصدقه وصبره على دينه، وليتخلف من ليس كذلك، ممن ليس له قدم راسخ في الإيمان ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ٢.
وبعد الابتلاء والامتحان يحصل النصر والتمكين للمؤمنين الصادقين الصابرين، كما قال –تعالى-: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ ٣، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ ٤ الآية. فمن قامت عليه الحجة فلم يقبل وجادل بالباطل وجبت عداوته، والبراءة منه، ومفارقته بالقلب والبدن.
وأما قول الأشاعرة في نفي علو الله –تعالى- على عرشه، فهو قول الجهمية سواء بسواء. وذلك يرده ويبطله نصوص الكتاب والسنة، كقول الله –تعالى-: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ ٥، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ ٦ في سبعة مواضع، وكقوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ ٧ والعروج إنما هو من أسفل إلى فوق، وقوله: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ ٨، ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ٩، ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ ١٠ الآيتين. وكل هذه الآيات نصوص في علو الله –تعالى- على خلقه، واستوائه على عرشه، على ما يليق بجلاله، بلا تكييف.
وقول هؤلاء الأشاعرة: إنه من الجهات الست خالٍ. قد وصفوه بما يوصف به المعدوم، وهو قد وصف نفسه بصفات الموجود، القائم على كل نفس بما كسبت.
وفي الأحاديث من أدلة العلو ما لا يكاد يحصر إلا بكلفة، كقوله في حديث الرقية:" ربنا الله الذي في السماء، تقدَّس اسمك" ١١ الحديث.
وجوهرة السنوسي ذكر فيها مذهب الأشاعرة، وأكثره مذهب الجهمية المعطلة، لكنهم تصرفوا فيه تصرفا لم يخرجهم عن كونهم جهمية. ومذهبهم أن القرآن عبارة عن كلام الله، لا أنه كلامه الذي تكلم به، وخالفوا الكتاب والسنة. قال –تعالى-: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ ١٢، ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ ١٣،
_________
١ سورة الفرقان آية: ٣١.
٢ سورة العنكبوت آية: ٣.
٣ سورة الصافات آية: ١٧٣.
٤ سورة محمد آية: ٧.
٥ سورة طه آية: ٥.
٦ سورة الأعراف آية: ٥٤.
٧ سورة المعارج آية: ٤.
٨ سورة النحل آية: ٥٠.
٩ سورة آل عمران آية: ٥٥.
١٠ سورة الملك آية: ١٦.
١١ أبو داود: الطب ٣٨٩٢.
١٢ سورة الفتح آية: ١٥.
١٣ سورة التوبة آية: ٦.
1 / 370