وهذا القول لا نزاع فيه؛ للاتفاق عليه، بل الصواب أنهم يقولون بتضعيفها في الكمية والمقدار، على ما مر؛ وبذلك يفتي أئمتنا.
قال ابن جماعة وغيره: وأكثر أهل العلم على أن السيئة لا تضاعف بمكة؛ لقوله تعالى: {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} انتهى.
لكن القائلين بهذا يقولون: إنها تعظم ولا تتعدد.
فإن قيل: هل لكون السيئة الواحدة وهي مغلظة فائدة مع كونها تعظم بقدر التعدد، ويلزم منه أنهما حينئذ على حد سواء؟
قلنا: نعم! له فائدة؛ لأنه ورد أنه من زادت حسناته على سيئاته في العدد، دخل الجنة؛ ومن زادت سيئاته على حسناته في العدد، دخل النار.
ومن استوى حسناته وسيئاته، كان من أهل الأعراف. والله أعلم.
وبالجملة: فالقائلون بهذا يقولون إن الذنب بمكة يربو على الذنب فيما عداها من البلدان، وعلى كلا القولين؛ فهو حري بأن يورث المقت، والعياذ بالله؛ لأن المعصية في حرم السلطان وفناء بيته ليس كالمعصية فيما يبعد عن تلك المحال، لأن المنابذة لأحكام السلطان هناك أظهر، وقد جعل الله مكة حرمه، وجعل بيته فيها؛ ولله المثل الأعلى.
فنسأله سبحانه أن يوفقنا للطاعة في سائر الأحوال، والأمكنة، والزمان. ونعوذ به من المقت والمعصية والخذلان؛ آمين.
صفحه ۵۱