فَتَّاوَى الإِمامِ النَّوَوَيِ المُسمَّاةِ: "بالمَسَائِل المنْثورَةِ" ترتيبُ: تلميذه الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار تحقِيق وتعلِيق: محمَّد الحجَّار قوبِلَت عَلى نسخَةٍ خطيّةٍ قديمَةٍ دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة

1 / 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "مّنْ يُردِ اللَّهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْه في الدّيِن". حَديْث شريف حُقوُق الطّبْع محَفُوظة الطبعَة السَادسَة ١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م قامَت بطباعَته وَإخرَاجه دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة للطبَاعَة وَالنشرَ والتوزيع بَيروت - لبنان - ص. ب: ٥٩٥٥ - ١٤ وَيُطلب مِنهَا

1 / 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقَدمة نَحْمَدُكَ يَا مَعْبُودُ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ يَا ذَا الْفَضْل وَالْجُودِ، وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلى نَبِيّكَ أفْضَلِ مَوْجُوْدٍ، وَنتَرَضَّى عَلَى صَحْبِهِ الكِرَامِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعيهِمْ بإحْسَانٍ. وبعد؛ فَإنَّ مِنْ أهَمِّ الْقُربَاتِ الَّتي تَصِلُ الْعَبْد بِرَبّهِ ﷿، نَشْرَ الكُتُبِ الشَّرْعِيّةِ الَّتي تُبيِّنُ الْحَلالَ من الْحَرامِ، وَلاَ سِيَّمَا في زَمَانٍ رَاجَ فِيهِ الْجَهْل، وَكَسَدَ فيهِ الْعِلْمُ. وَلَمَّا كانَ (كِتَابُ الْفَتَاوى) مِنَ الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ النَّافِعَةِ، حَمَلَنِي ذَلِكَ عَلَى خِدْمَتهِ، فَشَرعْت بهِ مسْتَعِينًا باللهِ مَعَ عَجْزِي الْحِسَّي، وَقِلَّةِ بضَاعَتِي الْعِلْمِيّة، متَبرِّكًا بِكِتَابِ هَذَا الِإمَام، وراجيًا أنْ يُدْخِلَني في عِدَادِ خَدَمَةِ الْعِلْمِ والعلماءِ. وَلَقَدْ عَثَرنَا - وَالْحمدُ لله- عَلى نُسْخَةٍ مَخْطوطَةٍ في الْمَكتَبةِ الأحْمَدِيَّةِ في حَلَب الْمَحْمِيَّةِ، وَأشَرْنَا في الْحَاشِيَةِ إِلى الْكَلِمَاتِ الْمُخالِفَةِ مِنْ زِيَادةٍ أوْ نَقْصٍ، أوْ تَخَالُفٍ في اللفْظِ بِإشَارَةِ (أ) رَمْزًا للأحْمَديّةِ، وَأضَفْتُ عَلى الطَّبعة الخامسة بَعْضَ الْفَوائِدِ وَالْمَسَائِلِ، ثُمَّ أضَفْتُ فِهْرِسًا جَدِيدًا للكتابِ تَسْهيلًا لِلْمراجعةِ، فَرَحِمَ الله الْمؤلِّفَ، وَغَفَرَ لِلْمُصَححِ، وَتَقبَّلَ عَمَلَ الْمُساهِم في نَشْرِهِ، والمشجعِ على طَبْعِهِ. ١٤١٠ هـ المدينة المنورة نَزيل المدَينة المُنورة الفقِير إليه تعالى محمَّد الحجَّار

1 / 5

ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى حمدًا لله جل وعلا، وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد مَنْ بأخلاق الله تَحَلَّى. وبعد؛ فلقد رأيت من اللازم عليَّ، أن أذكر بعضَ مآثر الإِمام المؤلف، وموجزَ حياته، متبركًا بأستاذنا وإمامنا وقدوتنا، عَلَمِ الأعلام، وقدوة العبَّاد، ومفخرة الزهاد، الذي ترك أثرًا حسنًا لا يُنسى، وعلمًا غزيرًا لا يَدْرُسْ، وورعًا صحيحًا أتعب مَنْ بعده مِنَ الخلف، وذكَر الناسَ عمليًّا بحياة السلف. عزفت نفسه -رحمه الله تعالى- عن الدنيا، فصام نهارَها وقام ليلها، وزهد في مناصبها، فما نال منها ولا نالت منه، عاش عيشةَ المتواضعين النبلاء، ومات ميتة العارفين السعداء. فَاللهَ أسأل أن ينفعني به على قدر حبي له، واعتقادي به؛ وأن يَسْعِدَني وإخواني وأحبابي بعباده الصالحين، وبالعلماء العاملين. فأقول: نقلًا عن النسخة القديمة مع بعض التصرف: هو الإمام أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي محرر المذهب ومهذبه، ومحققه ومرتبه، إِمام أهل عصره عِلْمًا وعبادة، وسيدُ أوانه ورعًا وسيادة، العَلم المفرد، عابدُ العلماءِ، وعالم العُبّاد، وزاهد المحققين، ومحقق الزهاد، لم تسمع بعد التابعين بمثله أذنٌ، ولم تر ما يدانيه عينٌ، راقبَ الله في سره وجهره، ولم يبرح طرفةَ عين

1 / 6

عن امتثال أمره، ولم يضيع من عمره ساعةً في غير طاعة مولاه، إلى أن صار قطبَ عصره، وحوى من الفضل ما حواه، وبلغ ما نواه، فشرفَت به نواه، ولم يلْفِ له من ناواه (١). كان مولده ﵀ في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، فسكن في الرواحية، واشتغل بالعلم، فحفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع المهذب حِفْظًا في باقي السنة على شيخه الكمال بن أحمد، ثم حج مع أبيه، وأقام بالمدينة شهرًا ونصفًا، وسمع من الرضي بنِ البرهان، وشيخ الشيوخ عبدِالعزيز بنِ محمد الأنصاري، وزينِ الدين بن عبد الدائم، وعماد الدين عبد الكريم الخرستاني وكثيرين. وتخرَّج عليه جماعةٌ من العلماء منهم: الخطيب صدرُ سليمان الجعفري، وشهاب الدين أحمد بن جعوان، وشهاب الدين الإِربدي، وعلاء الدين بن العطار. وحدَّث عنه: ابن أبي الفتح، والمِزّي، وشمس الدين بن العطار. ومن تصانيفه: شرحُ صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأذكار، والأربعون النووية، والِإرشاد في علوم الحديث، والتقريب، والمبهَمات، وتحرير الألفاظ للتنبيه، والعمدة في تصحيح التنبيه، والِإيضاح في المناسك، وله ثلاثة مناسك سواه، والتبيان في _________ (١) نواه الأولى: من النية، نواه الثانية: بلدتُه نوى. ناواه الثالثة: عاداه، أي: لم يجد من يعاديه. اهـ. وقال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى: لقيتِ خيرًا يا نوى ... وَوُقِيتِ مِنْ ألَمِ النَّوَى فلقدْ نَشا بكِ عالمٌ ... للهِ أخْلصَ ما نوى وعلى سِواه فضلُه ... فَضلَ الحبوبِ على النوى ففيه ضربٌ من ضروب البلاغة وهو الجناس التام.

1 / 7