زعمت النصارى، ولا كما زعمت اليهود، وأبلغ منه قوله: ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ﴾ ١ الآية، خص المسيح وأمه من أهل الأرض، لأنهما اتخذا إلهين، فخصا لنفي هذا الشرك، ولم يكن تنقصا لهما. وقال تعالى: ﴿وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾ ٢ الآية.
فتخصيصه تنبيه على من دونهم، ومن هذا قوله: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" ٣ فتخصيصه لتحقيق العموم، وكذلك قوله: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ ٤ الآية، فذكر الملائكة تنبيها على أن هذه الدعوى لا تجوز لأحد من الخلق، ولو قدر وقوعه من ملك لكان جزاؤه جهنم، فكيف بغيره؟ وهذا التحقيق إفراد لله بالإلهية، ومنه قوله: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٥. والأنبياء معصومون ولكن المقصود بيان أن الشرك لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله، فكيف بغيره؟ وكذلك قوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ ٦، خوطب بذلك أفضل الخلق لبيان عظم هذا الذنب، لا لغض قدر المخاطب، كقوله: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ﴾ ٧ الآيات، وقوله: ﴿فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ ٨.
١ سورة المائدة آية: ١٧.
٢ سورة آل عمران آية: ٨٠.
٣ البخاري: المرضى (٥٦٧٣) والرقاق (٦٤٦٣)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٨١٦)، وأحمد (٢/٢٣٥،٢/٢٦٤،٢/٤٥١،٢/٤٨٢،٢/٤٨٨،٢/٥٠٣،٢/٥١٤،٢/٥٣٧) .
٤ سورة الأنبياء آية: ٢٩.
٥ سورة الأنعام آية: ٨٨.
٦ سورة الزمر آية: ٦٥.
٧ سورة الحاقة آية: ٤٤.
٨ سورة الشورى آية: ٢٤.